انتخاب المحافظين بين السلطة والمعارضة

> علي صالح باقي:

> يستعد الوطن اليمني اليوم لإجراء أول انتخابات لانتخاب المحافظين للمحافظات، تكاد تكون هي الأول من نوعها في المنطقة، في ظل حراك سياسي ينم عنه تشكيل، وبروز مدرسة نوعية من الديمقراطية الناشئة في بلادنا، بعد انتخابات رئاسية عام 1999ونيابية عامي 1993/1997 ورئاسية في 30 سبتمبر عام 2006.

كان الفعل الانتخابي لتلك الانتخابات - وكل ذلك نورده للتذكير، ولمن لا يريد أن يفهم أو يعي- بين المرشحين للمجلس النيابي أو لرئاسة الجمهورية، أو لانتخابات المجالس المحلية كان يتسم بالندية الشديدة بين كل المرشحين (حزبيين - مستقلين) لدرجة أن بعض المراقبين لم يستطيعوا تحديد شخصية الفائز في بعض الدوائر الانتخابية، حتى صندوق الانتخابات الأخير.

تلك الملامح من الديمقراطية بدأت تتخلق وتتشكل وتحظى بإعجاب وانبهار من سبقونا في الفكر والنهج الديمقراطي والتعددية السياسية.

وهنا عندما نتحدث عن ديمقراطيتنا اليمنية الناشئة لا نعني بأي حال من الأحوال بأنها ديمقراطية لا تخلو من بعض السلبيات والملاحظات، هناك بالتأكيد بعض الإخفاقات وبعض السلبيات كأي عمل جديد لازلنا نتلمس خطاه.

واعتقد جازما أن انتخابات المحافظين-وإن كانت بأسلوب الاقتراع غير المباشر- فإنها تعد مهمة بكل المقاييس، مهمة كونها الأولى من نوعها على مستوى المنطقة، وهي ترمي في الأساس إلى إيجاد حكم محلي بالمحافظات اليمنية واسع الصلاحيات، يقود في نهاية المطاف إلى إدارة محلية للمحافظات، وإنهاء المركزية الشديدة التي أسهمت في تعثر مشاريع استراتيجية هامة بالمحافظات وعرقلة بصورة أو أخرى تنمية المجتمعات المحلية، إذاً فانتخابات المحافظين منحى موضوعي هام، ولبنة أولى على طريق انتخاب المحافظين بأسلوب الانتخاب المباشر ومن ثم انتخاب مديري عموم المديريات.

وبالأمس أقرت اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام أسماء مرشحي المؤتمر الشعبي العام لانتخابات المحافظين بالمحافظات، فجاءت قائمة المؤتمر استجابة لمطالب شعبية، وتأكيدا أن الحزب الحاكم قد خطى خطوة مهمة نحو الأمام، حيث جاءت أسماء المرشحين لمنصب محافظي المحافظات من أبناء تلك المحافظات سواء كانت تلك المحافظات جنوبية أو شرقية أو شمالية غربية عدا محافظتين فقط، والأمر برمته يعكس جدية الحزب الحاكم في إيجاد حكم محلي واسع الصلاحيات بالمحافظات، وأجزم أن تلك الأسماء التي أعلنها المؤتمر الشعبي العام تمتلك من الكفاءة والنزاهة والقدرة والإمكانات العملية والعلمية ما يمكنها من إدارة هذه المحافظات بصورة مثلى.

ولأن ديمقراطيتنا اليمنية ناشئة، فكلنا مسؤولون عن تطويرها وتنميتها وتثبتها وترسيخ قيم وتقاليد التداول السلمي للسلطة (حزب حاكم أو معارضة)، فكان على الأحزاب التي قاطعت هذه الانتخابات (انتخاب المحافظين) أن تستوعب الدرس، وتستفيد من أخطائها في عدم مشاركتها في الانتخابات النيابية عام 1997بعيدا عن المكابدات السياسية أو العناد السياسي الحزبي وتثبيتها، وكان الأجدر بها أن تحدد موقفا إيجابيا من انتخابات المحافظين، وذلك من خلال الدفع بأعضائها في المجالس المحلية بالمحافظات والمديريات بانتخاب أفضل المرشحين (الموجودين) أو على أقل تقدير إعلان وجودها أو إحداث تأثير في سير هذه الانتخابات المفصلية الهامة لتثبيت هذه الخطوة الأولى على مستوى المنطقة، ولتعزيز الديمقراطية اليمنية الناشئة، وتكريس مبدأ التداول السلمي للسلطة، على اعتبار أن حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم اليوم في السلطة وغدا في المعارضة.

كلنا يدرك أن الانتصار للوطن اليمني لن يتأتى من خلال المكايدات السياسية الحزبية الضيقة أو من خلال زرع ثقافة الكراهية بين أبناء الوطن اليمني، أو من خلال حقن المواطنين بالغضب أو بأسلوب الانقلابات الدموية ودورات الدم والعنف والتصفيات الجسدية، وإنما ننتصر للوطن من خلال تثبيت طريق الديمقراطية الذي جاءت بها الوحدة اليمنية المباركة، من خلال المشاركة الإيجابية، فانتخاب المحافظين كان في أولويات البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية (علي عبدلله صالح) حفظه الله ورعاه، وكان من أبرز مطالب المعارضة، ولهذا كان من الأجدر بها المشاركة لا المقاطعة.

إن نظرتنا الاستراتيجية البعيدة المدى للمعارضة أن تضع هذه الأحزاب مصالح الوطن فوق كل اعتبارات سياسية حزبية ضيقة، فالوطن لا يتحمل مزيدا من الاحتقانات ولا يتحمل ضغوطات سياسية أو فكرية أو تسجيل مواقف، فانتخاب المحافظين حالة شعبية جديدة جديرة بالاهتمام، والمعارضة إن أرادت أن تعبر عن وجهة نظرها فلتأخذ بعين الاعتبار-دوما- مصلحة الوطن والمواطن والأمة، ولتؤكد بالقول والفعل علاقتها المتينة بالديمقراطية.. وأحسب أن هذه المعارضة قد نمت ونضجت وقادرة تماما مثلها مثل الحزب الحاكم تجنيب الوطن الكوارث وتضع مصلحة الوطن العليا فوق كل اعتبارات وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنها والحزب الحاكم، وإن تعددت أوجه الاختلاف، بينما قد نجحوا في صنع ديمقراطية ناشئة في وطن الإيمان والحكمة اليمانية، وإن شابها بعض القصور أو الإخفاق، والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى