يا عدن لماذا تصحرت وقد كنت زهرة المدائن

> محمد عبدالله باشراحيل:

> عدن كانت مركزا تجاريا عالميا هاما، واعتبرت ثالث ميناء بحري في العالم بعد نيويورك خلال منتصف الخمسينات من القرن الماضي، وكانت مستعمرة بريطانية ومركز قيادة القوات البريطانية في الشرق الأوسط، وكانت عدن الثقافة التي تم فيها افتتاح وبث ثالث تلفزيون في شبه الجزيرة العربية، والتي تخرج من كليتها- كلية عدن- مجموعة من قادة ورموز ونخب هذه البلاد، الذين درسوا فيها باللغة الإنجليزية، وقد وصفت عدن بأن فيها أفضل إدارة بنكية ونظام إداري في الشرق الأوسط في تلك الحقبة الزمنية..

تلك عدن الذي كان مطارها الدولي يستقبل العديد من خطوط الطيران العالمية كالخطوط البريطانية والفرنسية والسعودية والمصرية والكويتية والأثيوبية وغيرها.

وكانت عدن عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بعد الاستقلال، والعاصمة الاقتصادية والتجارية لما سميت بعد الوحدة.

بكل أسف نقول عدن الأمس ليست عدن اليوم، فقد أبعد عنها- عمدا- أي دور ريادي وحضاري يليق بها، فقد أصبحت عاصمة المتقاعدين والعاطلين، ومثال حي للتهميش والتجويع وتطبيق سياسات الإفقار، فقد أخبرني أحد الزملاء بأن له جارا مستقيما للغاية، وصاحب نفس عزيزة جاء يطلب منه ألا يرمي ما يتبقى بعد الأكل من الخبز والروتي، لأنه يحتاجه لإطعام غنمه، وسيمر يوميا لأخذه، ثم اتضح لزميلي مؤخرا أن جاره ليس لديه غنم ليطعمها، وإنما يطعم أطفاله من تلك البواقي، فأصبح يضيف له عدة أقراص من الخبر مع البواقي لئلا يشعره بأنه يتصدق عليه..

هكذا وصل الحال بأناس في عدن، والغرابة أن المحاولات لتهميش وتحجيم عدن مستمرة، وحصلت لدرجة أن امتحانات GEC لطلبة الثانوية باللغة الإنجليزية لا تتم في محافظة عدن - وكانت مركزها - بل أصبحت تجري في مدرسة محمد علي عثمان بتعز، وعلى الطلبة الراغبين في إجراء تلك الامتحانات من أبناء عدن أو المحافظات الجنوبية الأخرى ضرورة السفر يوميا إلى تعز أو الإقامة فيها لفترة ثلاثة أسابيع طيلة فترة الامتحانات، كما أن الأمر وصل حتى إلى أن معادلة الشهادات الأكاديمية والمصادقة عليها التي يجب أن تتم في صنعاء فقط، أين دورك ياعدن؟!

عدن التي تنتج مصفاتها- مصافي عدن- مختلف المنتجات النفطية، ومنها الديزل الذي ينعدم في محطات توزيع البترول بين يوم وآخر، ويؤدي إلى شلل كبير في كثير من الأنشطة الاقتصادية، وقد تضررت منه بصورة مباشرة قطاعات النقل والأسماك والزراعة، كما توقفت المدارس في بعض المدن بسبب توقف الباصات التي تنقل الطلبة ومنها عدن والمكلا.

العين تذرف الدمع عليك وعلى ما أصابك، وتسأل لماذا يا عدن تصحرت وقد كنت لست مدينة فحسب، بل زهرة المدائن؟!

وختاما فإن ما يحصل لعدن، وما يمارس ضدها من تهميش وتحجيم هو أحد مكونات القضية الجنوبية التي يتبناها الحراك السلمي في الجنوب، ويناضل من أجلها.

ممارسات وأوضاع كهذه مرفوضة ولا يمكن السكوت عنها، وحتما سينتصر الحق على الباطل، وستعود عدن مركز إشعاع ثقافي واقتصادي وسياسي.. وربنا يحفظك ياعدن.

[email protected]

كبير خبراء سابق بالأسكوا - الأمم المتحدة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى