جحا وهيئة مكافحة الفساد

> أحمد سالم شماخ:

> يروى أن جحا كان يعيش في بلدة يحكمها سلطان ظالم ومفترٍ، وكان للسلطان حمار مدلل يحبه السلطان كثيرا، وضاقت بجحا سبل العيش، فهدته قريحته إلى أن يبلغ السلطان أنه يستطيع أن يعلم حماره الكلام والقراءة، فاستدعاه السلطان واستفهم منه عما رفع إليه، فأكد الخبر، وأنه يحتاج إلى عشرين عاما لتنفيذ الأمر، على أن يعين له السلطان مصروفا يوميا يكفيه للمعيشة الرغدة. وافق السلطان على الطلب، واشترط أنه إذا عجز جحا عن تنفيذ الطلب فسيقطع عنقه، وقبل جحا التحدي. كل من يعرف جحا أشفق عليه، وحاول أن يثنيه خوفا من ظلم السلطان، واستحالة تنفيذ الفكرة في تعليم الحمار الكلام والقراءة. تبسم جحا وقال: «أولا، سأعيش عشرين عاما لا أتحمل هم المعيشة، وثانيا خلال العشرين عاما إما أن أموت أنا أو يموت السلطان أو يموت الحمار».

ومن شاهد أو استمع إلى حوار المهندس الصديق أحمد الآنسي رئيس هيئة مكافحة الفساد على شاشة إحدى الفضائيات، وما تحتاجه الهيئة من وقت طويل لتفعيل دورها، وإلى آخر ما طرحه، يتبادر إلى الذهن إما أن الفساد خلالها سيقضي على ما تبقى من اليمن، أو يتغير النظام الجمهوري بموجب سياسة الفوضى الخلاقة، وتنتهي الهيئة، أو يتوفى الله برحمته القائمين على الهيئة، وكفى الله المؤمنين شر القتال.. وبالتالي لن ينتهي الفساد كما أن الحمار لن يتعلم الكلام والقراءة.

أخشى أن يظن البعض أن هذه نظرة تشاؤمية، ولكنني أذكرهم بالمثل القائل «انتظار المغرب طول على الصائم»، والناس وضعت على الهيئة الآمال العراض في الشفاء العاجل بإذن الله.. وصدقوني لو أن الهيئة- إذا كانت تملك مفاتيح المقدرة - أقدمت على الإمساك باثنين أو ثلاثة من كبار الفاسدين والمفسدين- وأعتقد أن لديها قوائم بهم- وشهرت بهم وقدمتهم للمحاكمة وأخذت منهم ما عليهم وما على الطاحسين من الفاسدين وعقوبة معلنة ومجلجلة، لو أن الهيئة نفذت ذلك، فإنها سترى نتائج مذهلة في وقت أقصر كثيرا مما تتوقعه، فلا يعقل أن الهيئة لاتعلم شيئا عن بعض الفاسدين، خاصة أن القائمين عليها من خيرة أبناء اليمن، وأكثرهم اطلاعا على بواطن الأمور، وبالتالي لاتستطيع أن تعمل شيئا، وقد أعطيت لها من فخامة الرئيس صلاحيات واسعة.

ويحضرني في هذا المقام تجربة حصلت فيما كان يسمى باليمن الجنوبي، عندما كانت تحكمه حكومة فيها بعض الرجال ذوي الذمة الوطنية الصادقة، رغم الأيدلوجية اللعينة.. ما حصل أنه ألقي القبض وتمت محاكمة اثنين أو ثلاثة من الفاسدين (الكبار)، وطبق عليهم القانون علانية وبجدية، فانعكس ذلك على كل دوائر الفساد، حتى أصبح المواطن المخالف لقوانين السير عندما يوقفه شرطي المرور يقف الشرطي على بعد خطوات من السيارة الموقوفة خوفا من أن يتهمه أحد بأنه أخذ رشوة أو تواطأ مع صاحب السيارة، ومثل ذلك كثير.. نصيحة أخوية للمهندس الآنسى ورفاقه ألا يفعلوا كما تفعل اليهود برؤسائها، يجرجرونهم بين الأقسام والنيابات، فأولئك يهود ما عندهم تقدير لأحد، ونحن شعب أبي كريم، من لطمه على الخد الأيمن أدار له الخد الأيسر.

سؤال أخير، هل محاربة (الفساد السياسي)، وهو رأس الأفعى، ضمن صلاحيات الهيئة الموقرة، أم ستنشأ له هيئة جديدة وقانون جديد وميزانية جديدة.

كل ما قلناه بالطبع مقرون بمدى جدية الموضوع والداعمين له والمنفذين، وإن كان الأمر لايتعدى أحد تماثيل هيكل الديمقراطية، فنقول معذرة يا مهندس أحمد، فالذي يراه الحاضر غير الذي يسمع به الغائب، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى