«الأيام» تتابع معاناة أهالي المسيمير في حلقات .. قبيل تترسب فيها المآسي وتفتقد هويتها إلى اليوم (3-2)

> محمد مرشد عقابي :

>
جانب من منطقة قبيل وتظهر الأشجار إلى جنبات المنازل
جانب من منطقة قبيل وتظهر الأشجار إلى جنبات المنازل
قبيل.. تلك المنطقة الهادئة التي تبدو لمن ينظر في ملامح أراضيها وكأنها قطعة قماش مفصلة من حرير أخضر، إنها فعلاً صوت فن الطبيعة الآسر.

قبيل.. تلك المنطقة التي لا تحمل جديداً في أجندة الخدمات، منطقة تقع على ربوة مخضرة تتزين بحزام جبلي مخضر يلتوي حول خاصرتها من كل الاتجاهات وتتميز بلطف جوها ونقاوة عبير هوائها العليل على مر الفصول.. منطقة مصابة بوخزات خناجر النسيان وسهام الحرمان من الخدمات والمشاريع، وأهاليها يعانون سيوف المآسي والفقر والمرض ويبقى صدر المنطقة مكشوف للمزيد من المتغيرات ، منطقة تترسب فيها المآسي وتتحلل فوق أجوائها المشاريع الوهمية، ولا يزال أهاليها يمشون فوق مسامير الفقر والعوز والمرض إلى أجل غير مسمى.. ومع كل جماليات المنطقة إلا أنها تبقى كسيحة في جوانب الخدمات والمشاريع. «الأيام» أبحرت بمركبها في محيط معاناة المنطقة لترسو على شاطىء أحزان الأهالي، وتنقل من هناك هذه الأسطر.. إليكم مضمونها.

منطقة تحتضر من شدة الإهمال

عند دلوف قدميي تراب أرض المنطقة بمعية شيخ المنطقة أحمد سعيد جهضر، الذي - للأمانة - يأسرك بابتسامته، ويسحب بأخلاقه الرفيعة كل أرصدة التواضع من بنوك القلوب، كان الجميع هناك يرسمون كرنفالاً ترحيبياً خاصاً بقدوم «الأيام» كونها تمثل لهم - حسب تعبيرهم - ثالث أساسيات الحياة بعد الهواء والماء، لاغنى لهم عنها يومياً، والتي تغنيهم كما قالوا عن فوائد الوجبات اليومية الثلاث، وبين أجواء الترحيب المتباعثة من الجميع تحدث إلينا شيخ المنطقة أحمد جهضر قائلاً: «أولا أحب أن أشكر كل القائمين على صحيفتنا الغراء «الأيام» على جهودهم واهتمامهم البالغين في نقل قضايا ومعاناة المواطن أينما كان في ربوع هذا الوطن، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على علو كعب الصحيفة، وتواضع مسؤوليها الجم.. أما بالنسبة لواقع المنطقة، فهو لا يخفى على الكفيف قبل البصير.. فالمنطقة كما ترون رغم مخزون الخضرة والماء والرسم الطبيعي الحسن فيها، إلا أنها تعاني الإعاقة المزمنة من الافتقار لأساسيات الخدمات.. وأضاف: الشيء العجيب ومبعث الجنون تلك الوعود بعمل المشاريع وتحقيق المنجزات التي يقطعها على أنفسهم وباستمرار عتاولة سلطتنا المحلية والمرشحون في كل دورة انتخابية، والتي أصابنا موالها بنوبات صرع لانكاد حتى اللحظة نفيق منها، والغريب في أمر هؤلاء أنهم لا يكتفون باللقطات الممسرحة التي يعرضونها علينا، الممزوجة بالكذب والضحك على المواطن، بل أنهم يبتكرون طرقاً مستحدثة في لي ذراع المواطن الغلبان بوعودهم له بإنجازات احتياجاته ومطالبه». وواصل قائلاً: «نحن أهالي قبيل قدر لنا أن نظل قابعين في أسفل تصنيف الخلق في هذه البلاد، والدائرة تلفنا في فلك لا مخرج منه من المآسي والحرمان.. وأردف بالقول: كيف لنا أن نحلم بتحقيق المشاريع في وقت فطاحلة سلطتنا يسبحون في بساط الخروج عن النص بعرضهم لنا منتجات متنوعة من المشاريع الكاذبة، وتميزهم في صنع بضاعة جديدة غير مستوردة من منجزات النفاق والخداع الكاريكاتورية.. وكيف لنا أن نربط خيط أمل المشاريع بأشخاص يتغدون دوماً على الخلافات، ويتعشون على الحش والنميمة فيما بينهم.. فأي أمل يرجى من مثل هؤلاء ؟!».

أطفال يجلبون الماء على ظهور الحمير
أطفال يجلبون الماء على ظهور الحمير
وتابع حديثه قائلاً: «استغاثاتنا ومناشداتنا للسلطة المحلية بشأن عمل ولو مشروع مياه واحد لمنطقتنا يروي عطش أسرنا وأطفالنا، لم تجد طريقاً للوصول إلى مسامع هذه السلطة، وفي تصوري أن من يطلق النداءات والاستغاثات ونبرات الاسترجاء بهذه السلطة كالذي يحرث في البحر، ولله في خلقه شؤون، واختتم حديثه بالقول: لايسعني في آخر المطاف إلا أن أتوجه بالشكر الخالص لـ «الأيام» على اهتمامها اللامحدود بمعاناة المواطن، وأتمنى أن يكون من على صدر صفحاتها المخرج لإنقاذنا من دوائر التخلف، وأتمنى أن يكون ذلك أيضا فاتحة خير لوضع حد لمسلسل واقع منطقتنا المأساوي والمتردي، وبداية غيث لملامسة خيرات الثورة.

الكهرباء نقطة ضوء وحيدة في ليلنا البهيم ومسئولو المديرية كالأسود يصعب ترويضهم

«إدخال الكهرباء حسنة ليست كفيلة بإخراجنا من دائرة الحضيض»، كانت تلك أول العبارات التي انطلقت من فم المواطن وعاقل المنطقة منصور العثماني، الذي واصل قائلا: «في الحقيقة واقع منطقتنا مليء بالمنغصات ويحزن العدو قبل الصديق، فنحن نفتقر في هذه المنطقة للكثير من الخدمات الأساسية لحياة الإنسان، كالماء النقي الصالح للاستهلاك الآدمي، وكذا افتقارنا للطرق المسفلتة، وعدم وجود حواجز تمنع الضرر عن أراضينا الزراعية مصدر رزقنا الوحيد في هذه الحياة، وغيرها من ضروريات الخدمات». وقال أيضا: «لتوضيح وتقريب صورة معاناتنا أكثر للجميع نقول إن السلطة المحلية في مديريتنا كالدمية لاتتحرك باتجاه خدمة المديرية وأبنائها إنما يأتي تحركها دوما نحو مصالحها، وكما يقولون في الأمثال التحرك المعهود للقواقع المعروفة هو دائما باتجاه البحث عن المكاسب مع فواصل من الكر والفر والإقبال والإدبار نحو الفريسة.. إلى آخر المعلقة». وأضاف قائلا: «الأغرب في أمر إخواننا في سلطة المديرية أنهم ينسون أو يتناسون مهام أعمالهم التي أتوا وعينوا لأجلها لخدمة المواطن، فعند تقلدهم مناصبهم سرعان ما يصابون بمرض الرعاش خصوصا عند التعرض لنوبة فلوس (رشوة) أيا كان مصدرها». وقال: «من يدقق النظر ويمعن جيدا في صورة واقعنا المأساوي في هذه المديرية تبرز أمامه الألوان متداخلة، تعكس الحيرة في تمييز هذا الواقع، والتي قد تصل إلى مرحلة تجعله يشك في فقدانه الهوية الوطنية في هذه البلاد، وستبدو أمامه تقاطيع الصورة مشوشة ومنعدمة الوضوح والرؤية، وقد تبدو أيضا مليئة بالتعرجات والالتواءات التي يتوه فيها المواطن بشكل يفكر معه بالانتحار كخيار نهائي للخروج من هذه الأزمات والمنغصات، وهو ما حصل للعديد من مواطني المديرية ومنطقتنا على وجه الخصوص، فهذا هو الحال الذي نعيشه ويتعاطاه المواطن من قبل المسئول يوميا». واستطرد قائلا: «منطقتنا محرومة بمعنى الحرمان، ومنسية بمعنى النسيان، ولفك (لحام) الاستفهامات التي تحيط واقعنا من كل اتجاه نحتاج إلى مرشد يعمل بضمير حي وإنساني بعيدا عن سياسة اللهث خلف الفلوس، يضعنا بالفعل أمام حل لهذه المتكومات من الألغاز». ومضى يقول: «كيف لمديريتنا أن تتطور ومحيط سلطتنا تكثر فيه القواقع، وكيف لنا أن نحلم بمستقبل أفضل في هذه المديرية وسياسة مسئوليها كذب في كذب».

واختتم حديثه قائلا: «نحن لاننكر الطفرة الوحيدة المتمثلة بإدخال الكهرباء إلى أراضينا، التي أتت بفضل من الله ثم بجهود الرسالة الإعلامية التي قامت بها «الأيام» بصوتها التنويري، الذي أظهر معاناتنا وحرماننا من هذه الخدمات، إلا أن نزول هذه الخدمة لايعني تغطية ثغرات وفجوات الافتقار لبقية المشاريع الخدمية الأخرى، فنحن في هذه المديرية لانزال في صراع مستمر مع الإهمال والمعاناة، ولازلنا نقارع الحرمان والمآسي بشتى الصور والألوان».

جانب من مزارع المنطقة
جانب من مزارع المنطقة
رغم جمال المنطقة إلا أن أبسط مقومات الحياة فيها تحت الصفر

تلك هي قبيل.. النقطة الجغرافية التي تتزين بأقراط سحر الطبيعة، وتتوشح بوشاح الاخضرار، منطقة جمالها يسرق نور البصر ويخطف العقل ويفقد الفؤاد صوابه من دون أن يدان.. قطعة أرض مخضرة تثير هواجس وإغراءات النفس.. منطقة معجونة بلمسات سحر الجمال الرباني، ومحصنة بسياج جبلي يحيطها من كل جهة، تنساب فيها مياه وادي تبن من تحت منازلها، لتضفي بخريرها المميز جمالا آخر يدعم مفاتنها الكثيرة.. إنها المنطقة الوحيدة في المسيمير التي يخيل لمن يراها من بعيد أنها خوذة فضية تذوب في قلب أطياف الجمال، ومنازلها دور تتكئ بثبات على صدر ربوة لتعانق من هناك انحناءات الأشجار الباسقة المحاذية لها، وتداعب نسائم الهواء العليل وسط طبيعة خلابة فائقة الجمال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى