البلهارسيا في غيل باوزير

> د. فهمي سالم باضريس:

> كانت عملاً خائباً بكل معنى الكلمة ما أطلق عليها الحملة الوطنية للتخلص من مرض البلهارسيا في مدينة غيل باوزير وضواحيها، فلقد أوضحت هذه التجربة مدى اختلال التنسيق بين الجانب الوقائي والعلاجي، وكذا المسوحات السليمة للمجتمع من حيث شرائح الاستهداف وفقاً لشدة الإصابة وطبيعتها وانتشارها، ومن ثم وضع المعايير السليمة لخروج مثل تلك الحملات التي أقل ما يرجى منها هو ضمان سلامة المجتمع والقضاء على المرض إذا ما استوطن في هذه المنطقة وشكل حالة وبائية.. ولكون هذه الحملة مرتبة من قبل وزارة الصحة والسكان وبمتابعة وترتيب فروع المكاتب للوزارة مكتب شؤون الصحة والسكان بمحافظة حضرموت والمديريات الموبوءة، كان الأجدر بها أن تغطي كل قصور أو تناقض في التقييم أو حتى التسمية، لأن هذه القنوات تمثل أعلى القنوات المسؤولة عن صحة المواطن في البلاد.

لقد أعطت هذه الحملة بمسماها «الحملة الوطنية للتخلص من البلهارسيا 6-9 إبريل 2008م» انطباعاً لدى المواطن وكأن هناك تطعيماً للبلهارسيا أو للديدان الشائعة - كما أطلق على الحملة - أيضاً من قبل المشرفين عليها تبريراً- وأعطي كم من الدواء العلاجي وبالمتر المربع طولاً وليس حسب وزن الفرد.. وهو ما يتنافي علمياً مع ما هو مثبت عن مرض البلهارسيا أو الديدان الشائعة، إذ إنه لا يوجد تحصين (فاكسين Vaccine) وإنما علاج ووقاية فقط. والحقيقة إننا قد سجلنا اعتراضنا الشخصي وعلى المسؤولية الشخصية والمهنية لنا بأن هذه الحملة في مدينة الغيل ليست بالحملة وإنها تفتقر لأبسط معايير الحملات عملياً وعلمياً، كما سنورده لاحقاً.

بمجرد رؤيتنا لملصقات الحملة شككنا نحن في مدينة الغيل في أنفسنا فوجدتنا ننظر لمجرى البول لعلنا نكون نتبول دماً ونحن لاندري.. لأن الحملة وزارية وهل نحن أعلم من الوزارة، كما قال أحد المشرفين على الحملة؟!

إننا لسنا بوادي النيل، فليس هناك توطن للبلهارسيا في غيل باوزير.. وأن أول ظهور لها كان في منطقة (الهمه) البدوية التي تبعد عن الغيل المدينة مسافة تزيد عن الستين كيلو متراً. وذلك في عام 2006م عندما تواردت لدينا الحالات في الغيل منها (أي الهمه) بأكثر من 3-5 حالات يومياً لفترة أكثر من 3-6 أشهر قبل أن يتم إعطاء الأهالي هناك الإرشادات الصحية والعلاجات وفق الوزن للجسم بالكيلو جرام وليس بالمتر المربع طولاً، وإنها كانت قد أصابت حتى من هم دون سن السادسة من العمر وعملنا خطابات «بلاغات» إلى الجهات المختصة ثم تجاوبوا معنا بعد حين وخرجوا إلى الهمه، وأعطيت العلاجات، ولو تأسست حملة حينها أي عام 2006م لكانت لها جدوى.

نعم منطقة الهمه فقط مصابة بالبلهارسيا وليس مدينة الغيل وضواحيها، وتمكنا عندها من معرفة مصدر العدوى في الهمه بعد الحديث مع الأهالي، لأن أهالي المنطقة يشربون ويستحمون في مياه أمطار عذبة في واد منذ السلطنة القعيطية، فلماذا لم تظهر البلهارسيا إلا الآن؟

وكان الجواب هو وجود كسارة بالقرب من الهمه وينزل عمال هذه الكسارة من الإخوة من المناطق الشمالية من الوطن وهم مصابون بالبلهارسيا ومشخصون يستحمون في نفس المياه بالوادي مما أدى إلى نقل البلهارسيا إلى منطقة الهمه بمعنى أن الوسيط (القوقع) كان موجوداً ولم يوجد الطور أو الشخص المعدي، ولذلك لم تكن هناك بلهارسيا وعندما وجد المصاب بالبلهارسيا حدثت الإصابة، ومع أن المصابين كانوا قد استخدموا علاجاً إلا أن هذا العلاج لا يمنع من حدوث الإصابة مرة أخرى إذا ما تصادف وخاض المريض مرة أخرى في مياه بها طور معد للبلهارسيا، أي أن العلاج لا يعتبر ولا يؤسس أي مناعة داخل الجسم من إمكانية العدوى مرة أخرى.

إننا مقتنعون تماماً بأن الغيل المدينة وضواحيها ليست مستوطنة بلهارسيا، وأن الحملة بالعلاج يجب أن تتناول أهالي (الهمه) بمعنى استهداف (جزئي)، لأن العلاج سيكون نافعاً لهم وليس لطلاب وأطفال الغيل غير المصابين بالبلهارسيا أصلاً.. وإنه كان الأجدر بالحملة في الغيل أن تتناول طرق العلاج وبعض اللقاءات بالأهالي والطلاب عن هذا المرض في صورة محاضرات عن طرق العدوى ومكافحة الوسيط (القواقع) إن وجدت، لأن أكثر من 90% في الغيل لا يستحمون في وديان أو مياه راكدة، وإنما في مسابح، فيمكن من توعية أصحاب المسابح عن عملية تنظيفها من الأوساخ وتغيير ماء المسبح كل 48 ساعة مثلاً ،لأن وجود التبليط والماء النظيف في المسابح يجعل إمكانية وجود العائل الوسيط (القوقع) معدوماً تقريباً يعني لو استحم المصاب بالبلهارسيا فيها لا يمكن من نقل الطفيل لعدم وجود هذا العائل كما ذكرنا.

ولو افترضنا وجود مصاب بالبلهارسيا، فإن البلهارسيا ليست طفيلاً كامناً، وإنما تظهر نفسها على الدوام لضرورة وضع البويضات للأنثى في المستقيم أو المثانة، وبالتالي ظهور التبول الدموي أو البراز الدموي (النزيف المعوي)، ثم إن علاجها معروف ولا يحتاج بل لا يوجد للبلهارسيا أي تحصين أو لقاح غير طرق العلاج والوقاية بمـكافحة الوسيط.

فهل هناك داع إلى إعطاء العلاج مباشرة لطلبة الغيل وأطفالها وهم ليسوا مصابين؟!!

وكيف غاب عن ذهن المنظمين من الوزارة أو حتى المحافظة مثل هذه الحقائق العلمية وهم قدوة وأهل ثقة في هذا الجانب؟!

لقد اعتمدت الحملة على عناصر غير منتمية إلى الصحة، خاصة في المدارس، ولم يتم الجلوس حتى مع أطباء الغيل قبلها، وعندما توجهنا بالسؤال والاستفسار وجدنا المشرف على الحملة يشيح بوجهه عنا وكأننا لسنا معنيين بالأمر بحجة أنه مشغول ولا يريد أن يضيع وقته معنا، أهكذا يتم التعامل مع الأطباء؟!!

إن كم الأدوية التي صرفت في غير محلها كان الأجدر بنا توفيرها لحالات الإصابة التي ستظهر لا محالة، وساعتها يشكل الحصول على الدواء عبئاً على المواطن نظراً لغلاء الدواء وشدة الحاجة إليه حينها.

وخاتمة الحديث إن كل هذا التساؤلات لا يمكن أن يقنعنا الجواب عنها أو أي تبرير إلا إذا قال المنظمون لهذه الحملة بأن وجود البلهارسيا في الغيل كان كذبة إبريل.. عندها فقط يمكن أن نصدق ذلك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى