على خلفية حوار أجرته «آخر ساعة» مع حمدي قنديل.. قنديل وسط ظلام عربي دامس

> نجيب محمد يابلي:

> نشرت مجلة «آخر ساعة» القاهرية حوارا أجرته (وفاء الشيشيني) مع الإعلامي المخضرم البارز حمدي قنديل في 28 أكتوبر 1998م، ورد في ديباجة الحوار على لسان الزميلة وفاء أن «حمدي قنديل محاور هادئ وصاخب في نفس الوقت.. يبوح بأخطر الاعترافات ببساطة تذهلك، ويشرح تاريخنا بفهم إنساني يدهشك.. له ذاكرة فوتوغرافية تحليلية تحيرك وصراحة تلقائية حميمية تخجلك، وتختتم الزميلة وفاء قراءتها للقنديل الذي يضيء ظلامنا الدامس: «حمدي قنديل، إنه عقل مصري قرر أن يعيش بسلام مع ضميره، وعاد لنا بعد سنوات ليقول لنا ببساطة: مصر جديرة بأن تحب».احتل الحوار الصفحات 19.18.17.16 من المجلة التي ارتبطت عراقتها بأمير الصحافة، الطيب الذكر محمد التابعي.. في بداية الحوار صارحت الزميلة وفاء ضيفها الكبير بأنها لم تحضر أسئلة معينة، وستكتفي بأفراغ نزر يسير من مخزونه الغزير، لأنه كما قالت وفاء: «كنت جزءا من الستينات وبعضا من السبعينات، فماذا تتذكر عن تلك المرحلة، وكنت فيها ملء العين؟». قال قنديل: «أنا حاتكلم بطبيعتي وبصراحة».

قنديل يحب عبدالناصر ولايكره السادات

وصف الإعلامي الكبير- الذي يمتعنا مساء كل جمعة من فضائية (دبي) ببرنامجه الشهي (قلم رصاص)، حقا (إنه قلم ورصاص في آن)- فترة ستينات القرن الماضي بأنها كانت فترة تحدٍ وشحن للأمة استمرت حتى 1967، وبعد الهزيمة وتحديدا بعد 9 و10 يونيو 1967 بعد تنحي عبدالناصر عن السلطة، والذي جابهته الجماهير بالرفض، وشكل الزخم الجماهيري عامل شحن للقوات المسلحة لرفض الهزيمة، واعترف حمدي قنديل بأنه أحب عبدالناصر، إلا أنه لم يكره السادات، فقد كان معجبا به منذ أن كان رئيسا لمجلس الأمة، وكانت هناك اتصالات بينهما، كما حسب قنديل للسادات أدواره في التحضير للثورة وقراءته بيان مجلس الثورة يوم 23 يوليو 1952، ونقطة الخلاف مع السادات كانت (كامب دافيد) وزيارة إسرائيل والتطبيع الذي رفضه الشعب بكل قطاعاته، حتى أن نتانياهو قرر زيارة رجل أعمال مصري، واكتشف بعد وصوله إلى القاهرة أن رجل الأعمال قد غادر مصر ليحول دون تنفيذ رغبة نتانياهو.

قنديلنا في هذا الظلام الدامس قال إنه يعشق الحقيقة، ولايعرف الحياد، حيث قال: «أنا شخصيا غير حيادي بالمرة، بل عندي مواقف يمكن أن نطلق عليها مواقف حادة كلفتني في بعض الأحيان الكثير، ولكن في المجمل أنا راضٍ وسعيد».

وعن حدود حريته قال قنديلنا: «لا أتعدى على حرية الآخرين، ولايسود فكر واحد حتى لو كان صائبا».

قنديل يعترف: ما من نظام عربي إلا مارس التعذيب

رضع قنديلنا حليب الوطنية والقومية، وعن ياسر عرفات قال إنه صديقه منذ عام 1956، فقد كان عرفات في كلية الهندسة وكان رئيسا لاتحاد الطلبة الفلسطينيين، وكان قنديلنا طالبا في كلية الطب، وكان الرجلان القامتان عضوين في اتحاد الطلاب العالميين. وقال دفاعا عن نظام عبدالناصر وما تعرض له ناشطون من أحزاب أخرى- في مقدمتها (الإخوان المسلمون)- من تعذيب: «فيما يخص التعذيب لا أعتقد أن هناك نظاما عربيا خلا حكمه من التعذيب في تلك المرحلة.. عندنا كانت توجد ثورة، وكان لابد من حماية الثورة وكان لابد من وجود أحكام استثنائية للأسف الشديد، وكان لابد من حجب الحرية عن عدد من الناس..».

قنديل لايغفر لنفسه ذنبين

أفصح حمدي قنديل- كعادته- عن أسفه لذنبين اقترفهما، وقال إنه لن يغفر لنفسه، عندما حقق مع أفراد من (الإخوان المسلمون) وهم في السجن السياسي، وقال: «أنا وقتها كنت حرا.. يداي سائبتان، أتكلم وأسألهم ما أريد، وهم كانوا مقيدي اليدين وبالضرورة اللسان، وهو موقف غير عادل لإجراء حوار سليم».

أما الذنب الآخر، فقد كان الحوار الذي أجراه مع القائد الإسرائيلي عساف باجوري في السجن الحربي عام 1973 (أثناء حرب أكتوبر) وكان قنديل سعيدا بذلك، وقال: «ولكن لما عدت للمنزل رأيت والدتي زعلانه وقالت لي: «لو كان أخوك أسيرا لديهم كنت تحب أن يكون في هذا الموقف؟». وشعرت بالخجل منها، خاصة أن أخي كان ضابطا في حرب 1973. برر قنديل ندمه بالقول: «أنا عرفت أشياء كثيرة بعد ذلك عما كان يحدث في السجن الحربي، وطبعا أنا أرفضها ويرفضها كل إنسان حر.. لهذا أدافع بشدة عن حرية الرأي وحق الاختلاف، فلا ينبغي أن يسجن أي إنسان بسبب آرائه، خاصة لو لم يلجأ للعنف».

عن تعليقه على مذكرات قائد الثورة المصرية الطيب الذكر اللواء محمد نجيب قال قنديل: «لقد قرأت مذكرات محمد نجيب في «آخر ساعة»، ولو كان فعلا هذا ما حدث له، فأنا آسف جدا للطريقة التي عومل بها.. كان هو الرمز الظاهر لنا، وهو الرجل الطيب الذي ينادي بالديمقراطية، وبالطبع كنا منحازين له.. وأضربنا على كوبري نهر النيل، واستخبينا في جاراجات جاردن سيتي، وفي السنوات الأخيرة من الستينات والسبعينات، لم نكن نعرف ماذا كان يجري لهذا الرجل العظيم وإسقاطه من التاريخ بهذا الشكل شيء لايغفر له!!».

ماذا قال قنديل في السلال وصالح وأفورقي والقذافي؟

تعامل حمدي قنديل مع معظم الزعماء العرب في حواريات أجراها معهم، لفت نظره في الملك حسين «صوته العميق الذي لايتناسب مع جسمه، وكياسته الشديدة، التي مكنته أن يظل على العرش أطول فترة قضاها حاكم عربي في الحكم، كما لفت نظري قدرته على تطويع اللغة العربية لما يريد قوله..».

عن الرئيس اليمني الراحل عبدالله السلال قال قنديل: «كان إنسانا طيبا جدا، وكان يستعين بي لكتابة الخطب والبرقيات، وكان يرى فيَّ أكثر من يستطيع التعبير عن أفكاره». يضيف قنديل: «كما قابلت أيضا الرئيس الحالي علي عبدالله صالح، وأجريت معه حوارا خاصا حول (أزمة حنيش)، وهو من أذكى الحكام العرب، وهو سريع البديهة.. قلق دائما، واعتقد أن سبب ذلك أنه مليء بالحيوية والعصبية والاستعجال». كما حاور قنديل الزعيم الإريتري أفورقي، وكان شديدا في توجيه الاتهامات إليه، كاتهامه بأنه حليف إسرائيل للسيطرة على مدخل باب المندب، والاستيلاء على جزر حنيش، ويضيف قنديل: «كانت أعصابه باردة جدا، واستطاع كثيرا أن يكظم غيظه، وهو في هذه النقطة يذكرني بالرئيس مبارك الذي عنده قدرة ممتازة على التماسك في مواجهة اللحظة المستفزة». وعن الزعيم الليبي معمر القذافي قال قنديل: «أحترم فيه شجاعته الشديدة كأول حاكم عربي يقبل أن يستجوب تلفزيونيا على الهواء مباشرة ويتلقى أسئلة من الناس ويجيب عنها.. وعنده ومضات من الذكاء الحاد. هو عنده أفكار مختلفة عن الأفكار السائدة، ولكني أنا شخصيا باحب الناس اللي تطرح أفكار مختلفة».

تجشمت عناء إعداد هذه المادة حبا في هذه القامة الكبيرة، اللي اسمها (حمدي قنديل) صاحب برنامج (قلم رصاص)، ولو توخينا الدقة لقلنا «قلم ورصاص»، الذي يتابعه كل العرب عبر فضائية (دبي) مساء كل جمعة، وهنيئا لهم هذا البرنامج.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى