إلى متى العبث بالبيئة؟

> د. عيدروس عبدالرحمن قطن:

> تتميز البيئة الطبيعية كما خلقها الله سبحانه وتعالى بخاصية التوازن الطبيعي بين مكوناتها المادية والحيوية، فكل شيء في البيئة الطبيعية موجود بقدر معين، وذلك لحكمة بالغة، وهي اتزان الكون وثباته وملاءمته للحياة، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك في القرآن الكريم:(وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) سورة الحجر آية 21، وبقوله سبحانه:(إنا كل شيء خلقناه بقدر) سورة القمر آية49.

وقد ظلت البيئة الطبيعية متوازنة حتى بداية القرن العشرين أثناء ظهور الثورة العلمية، ومنذ ذلك الحين بدأ الإنسان يعبث بالبيئة، وبدأت تزداد مظاهر تلوث البيئة نتيجة للنشاط البشري المتزايد في مجالات الصناعة والتكنولوجيا، وفرضت مشكلة تلوث البيئة نفسها على المستوى المحلي والعالمي في السنوات الأخيرة، بعد أن ظهرت وتفاقمت نتائجها المدمرة للبيئة في الماء والهواء والتربة.

وهناك عدة أسباب وعوامل أدت إلى اختلال التوازن في البيئة، ولا يمكننا أن نتطرق لكل الأسباب والعوامل حتى لا نطيل المقال وتصبح قراءته مملة، ولكن نعدكم بأننا سوف نشرح كل العوامل في حلقات قادمة إن شاء الله.

ولكن سوف نتطرق إلى أهم الأسباب التي تؤدي إلى التلوث البيئي وهي: الملوثات الصادرة من السيارات، وكما هي هذه الظاهرة منتشرة في العالم وبكثرة في دول العالم الثالث، وبلدنا تعتبر واحدة منها، حيث إن الزيادة المضطردة في أعداد السيارات بالعواصم والمدن والقرى في الآونة الأخيرة، سبب حقيقي للتلوث البيئي الناتج من عوادم السيارات نتيجة الاحتراق غير الكامل في المحركات، وما تطرحه هذه السيارات من تلوث (وخصوصاً القديمة منها - وما أكثرها في بلادنا)، وفي بلادنا الطيبة نلاحظ أدخنة السيارات وكأنها سيارات رش المبيدات، وللعلم أن السيارات تحتل نسبة 80% في عملية التلوث البيئي.

ومن أهم الملوثات التي تنبعث من محركات السيارات (غاز أول أكسيد الكربون Co وثاني أكسيد الكربون Co2 وأكاسيد النتروجين والمواد الهيدروكربونية غير محترقة).

ولا يدرك المرء خطورة تلك الغازات السامة التي تنبعت من السيارات في الهواء، وكم من الغازات السامة يتنفس الإنسان يومياً، وما مدى خطورتها؟

ويعتبر غاز أول أكسيد الكربون Co وثاني أكسيد الكربون Co2 من أوسع الملوثات الهوائية انتشاراً في الجو، يعد غاز أكسيد الكربون من الغازات السامة، وتكمن خطورته بأنه سريع الاتحاد مع هيموجلوبين الدم مما يحد قدرة اتحاد الهيموجلوبين مع الأكسجين وبالتالي يؤدي إلى عدم وصول الأكسجين إلى خلايا الجسم، والجدير بالذكر أن قدرة الهيموجلوبين على الاتحاد مع أول أكسيد الكربون أكثر 200 مرة من قدرته على الاتحاد بالأكسجين.

ويزداد تركيز هذا الغاز في المدن والشوارع المزدحمة بالسيارات، وتتفاوت مدى خطورة هذا الغاز حسب نسبة تركيزه في الهواء، وتجدر الإشارة أنه عند وجود غاز أول أكسيد الكربون في الدم بنسبة 2.5% يكون له تأثير في الصوت والنظر، وبدوره يؤثر في الجهاز العصبي، وإذا وصل التركيز أكثر من 5% فإنه يؤثر في القلب، وإذا كان التركيز بين 10-80% يسبب الموت نتيجة الإغماء Coma وفشل التنفس.

ويعتبر غاز ثاني أكسيد الكربون غير سام إلا أن وجوده بتركيز عالٍ جداً يؤثر في نسبة الأكسجين ويسبب الاختناق، ناهيك أن انبعاث تلك الغازات يزداد في الغلاف الجوي، مما يسبب تغيرات في الظروف الجوية وارتفاع درجة الحرارة (الاحتباس الحراري) وهذا يؤدي إلى ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي، الذي يؤدي بدوره إلى الكوارث الطبيعية (الفيضانات).

فلينظر المرء ماهو حجم الكوارث التي يسببها الإنسان بنفسه، بسبب العبث وعدم الحفاظ على البيئة، نعم إن الإنسان أراد بالابتكارات والتكنولوجيا الحديثة أن يحقق الرفاهية لنفسه، ولكن هذه الابتكارات واستخدامها دون روادع وضوابط يؤدي إلى القضاء عليه كما أسلفنا مسبقاً.

هناك دول انتبهت لهذه المخاطر وسارعت لصياغة تشريعات وقوانين تحد من التأثير البيئي، وكذلك عملت بعض هذه الدول من قبل 50 سنة على إنشاء محطات لرصد وقياس تلك الغازات السامة، حتى يتسنى لهم الحد من خطورة الغازات السامة ومعالجتها من أجل الحفاظ على البيئة وعلى صحة مواطنيهم.

وإني أتساءل كباحث في هذا المجال متى ستعمل دولتنا الموقرة على إنشاء مثل تلك المحطات للحفاظ على بيئتنا علينا وعلى الأجيال القادمة؟!

وهل ستعمل الدولة على إعطاء تسهيلات من أجل تمكين المواطن البسيط من شراء سيارات جديدة حتى تخفف من الانبعاثات (السموم) الصادرة من السيارات القديمة؟! وقد عملت دول مجاورة مثل (الأردن) هذا الشيء منذ مدة ليست بوجيزة، وهل هناك مراكز تقوم بفحص الحالة للسيارات سنوياً؟ كما هو حاصل في دول الخليج.. كذلك هناك دول متقدمة عملت على تصنيع السيارات التي تسير على الطاقة الشمسية، وسيارات أخرى تسير على الهواء المضغوط، كل هذا من أجل الحفاظ على البيئة والإنسان.

وأتساءل أيضاً إلى متى سنظل متخلفين عن الآخرين؟! ولماذا اللامبالاة والإهمال والعبث بالبيئة والإنسان؟ ألا يمكن أن ترصد حكومتنا حفنة من المال من أجل معالجة تلك الأمور للحفاظ على البيئة والإنسان؟ وخاصة أن هناك أموالاً طائلة تذهب هباء للمفسدين وأهل الفساد!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى