في الليلة السورية بمركز بلفقيه الثقافي بالمكلا.. حضرت أندلس التاريخ وغابت حضرموت الحضارة

> «الأيام» صالح حسين الفردي:

> في ليلة فنية راقية الأداء، تموسق فيها المكان بنغم الزمن العربي الإسلامي الثري, فانهمرت الأشجان ودمعت العيون وهي تتنفس أريج الأندلس الضائعة الحاضرة في الروح العربية المكلومة بكل موبقات الزمن السياسي الناكص المفضوح.. ليلة عربية تغنى فيها زرياب بأجمل الموشحات، وتمايل فيها صباح فخري بالقدود الحلبية، ليلة جمعت عبق التاريخ وعطر الحاضر السوري، ليلة أحيتها فرقة شيوخ سلاطين الطرب الحلبية التابعة لوزارة الثقافة العربية السورية في مركز بلفقيه الثقافي في المكلا، ضمن برنامج أيامها الثقافية لبلادنا للفترة من العاشر من مايو الجاري حتى السادس عشر منه، في هذه الليلة برزت إلى السطح الثقافي لحضرموت اليوم الكثير من الحقائق التي سنقف عندها لاحقاً، ولكن في البدء لابد لنا من الحديث عن هذه الليلة التي رسم لوحتها شباب مدينة حلب الفنانون (المغنون: حسام لبناني، ومحمد بركات، وعامر عجمي، والعازفون: على القانون ياسر خضيّر، والعود عبدالرحيم عجيم، والإيقاع أنور عجيمي، والرق جمال شامية، والناي شادي بشير، والكمان يوسف ضجاني، في حين كان قوام فرقة لوحة (المولوية) حامل البخور: الفنان أحمد حلاق، والراقصون: حامد حداد وعمر بيولوني، والطفل المبدع محمد حلاق).

هذه الفرقة الغنائية الإنشادية والراقصة التعبيرية لايتجاوز عدد أعضائها (12) عضواً، إلا أن ليلتهم المكلاوية كانت- بحق- تسجل بداية حقيقية لحدث فني وعرض راقٍ يحتضنه مركز بلفقيه الثقافي منذ افتتاحه في مايو 2005، وهو المركز الذي شهد استيلاء (السياسيون) على أروقته وإزاحة الثقافة عنه، وهو الأمر الذي أخرجه عن الجاهزية الثقافية قبل أن يخطو خطوته الأولى، وقد كان يعوّل عليه الكثير من الفعل الفني والثقافي لحاضرة حضرموت (التاريخ والثقافة والأصالة والتراث) وهي المعزوفة التي صدّعنا بها الإعلام الرسمي كثيراً، ونمنا نحن مطمئنين على هديل ماضيها البهي الباذخ، ولم نحرك ساكناً ثقافياً، ولم نسكن متحركاً فنياً حتى اللحظة، واكتفينا بالتشكيل الضوئي الجميل الذي يشع كل مساء في سماء المكلا من هذا المركز الثقافي الصامت، إلا من فعاليات لا ترتقي إلى العلم المنتسب إليه اسماً وتقديراً، وهذه واحدة من الحقائق التي كشفتها الليلة الحلبية التي صدحت فيها الأصوات بعدد من الموشحات الأندلسية والقدود الحلبية، ومنها: قل للمليحة بالخمار الأسود، ابعت لي جواب وطمني، الليل عليّ طال والدمع سلسل سال، فوق النخيل، قدك المياس ياعمري، على الوتر عالعود، موال أمان أمان، يا مال الشام، واختتمت الليلة بلوحة (المولوية) ذات النفس الصوفي العميق، إذ استطاع الفنانون مع طفلهم المعجزة محمد الحلاق نقلنا إلى أجواء الحضرة العلية في لحظات تماهت فيها الروح مع صوت المنشد الفنان القادم بقوة إلى ساحة الغناء العربي الأصيل حسام لبناني، مشكلاً بصوته الساحر تواشجاً علائقياً مع حركات الراقصين، فكان أن رسمت هذه اللوحة لحظة الاستلاب النفسي وتسليم كيانها بقوة إلى خالقها، فظهرت الحركات التعبيرية الراسمة لاندماج الروح العاشقة لبارئها في لحظة اختراق الحجب والانعراج إلى سماواته العلا.. هذه اللوحة كانت- بحق- فائقة الدقة ودقيقة التعبير ودرساً فنياً عالياً في كيفية توظيف التراث، وهي حقيقة ثانية تؤكد المهنية العالية للأعمال الفنية التي تقدم وتمثل في خارج القطر وتكثيف الفني وتهميش الدعائي الفج، وهو ما يفتقده تراث حضرموت اليوم، فالتهريج صوت الحاضر الفني والتراثي الحضرمي، وكل شيء بثمنه وإن غلا وزنه الحضاري والتاريخي، والدلائل كثيرة في ما نذهب إليه.

ومن الحقائق المؤلمة التي نكأتها الليلة السورية الغياب الكبير لكل المنضوين في المشهد الفني والمنتسبين للثقافة الرسمية، (وكله من الأخضر، غيب القوم)، بالإضافة إلى الاستهتار الذي يعشش على موظفي مكتب ثقافة حضرموت، وعدم تقديرهم لمواقعهم التي يحتلونها في سلمه الوظيفي، وهو ما ظهر واضحاً بحضور الأستاذ صالح باعامر، مدير المكتب دون سند من أي طاقم مكتبه الثقافي (ففي الفعاليات ما أقلهم، وعند المرتبات ما أكثرهم)، كذلك ما يؤلم هو عدم الحرص على توثيق هذه الليلة التاريخية النادرة- إذاعياً وصحفياً- ولولا الزملاء، المخرج التلفزيوني صالح هادي مطبق والمصوران شكري عيبان وخالد عامر، لما وثقت هذه الأمسية الفنية الجميلة.

وهناك الكثير من الحقائق التي كشفتها هذه الليلة، نكتفي بما ذكرنا، فهل ستقف السلطة المحلية -بعد التغيير- أمام ضحالة المشهد الثقافي والصحفي والإعلامي في حضرموت في قادم الأيام؟ نأمل ذلك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى