ضبط النفس

> طه حسين بافضل:

> الحقوق والمطالب المشروعة يجب السعي لتحقيقها، فهي أمانات ملقاة على عواتق أصحابها، لا يسعهم التفريط فيها أو التهاون في الوصول إليها، وبالتالي يجب أن تنظر إليها السلطة باتزان وتعقل دون شطط وتهور، فلا داعي أن يغتاظ رجل الأمن من مظاهرة نظمت وتحركت تنادي بمطالب تمس بالمعيشة وإصلاح الأوضاع، ويصيح أصحابها حتى بحت حناجرهم لعل أصحاب الشأن يلتفتون إلى أصواتهم ونداءاتهم، فلا يستساغ أن يتذمر من ألقيت على عواتقهم حماية المواطنين وسيادة السكينة والطمأنينة في ربوعهم، ويتحركوا لردع مثل هذه المظاهر التي تمثل قمة الوعي المجتمعي والنضوج الفكري للشعب اليمني.

إن كياناً زرع في جسد الأمة الإسلامية والعربية يسمى بـ (إسرائيل) قد وصل إلى درجة من ما يسمى بالنضوج (الديمقراطي) ما لا يوجد في كثير من بلداننا الإسلامية.. فهناك بإمكانك أن تقوا ما تريد وتطالب بما تحلم به وتأمله، ولكن بشرط أن يكون في حدود الانضباط والمسؤولية الفردية، وبالتالي لا اعتقال ولا تهجم على الأعراض، ولا سفك للدماء.. فهل يا ترى عجزنا عن أن نكون كهؤلاء الموتورين، الذين اغتصبوا بلادنا وانتهكوا مقدساتنا؟!

الجوع والفقر والمصائب والأزمات تولد احتقاناً في الفرد والأسرة والمجتمع، هذه قضايا مفرغ منها، وعلى من تملك زمام الأمور أن يعي جيداً أن النتائج باهظة الثمن، شديدة الوقع على سير الحياة.. فالذي لا يملك شيئاً ليس وراءه شيء سيحزن عليه أو يكترث له، فلا يهمه حينئذ أن يقع في الخطأ ويرفع شعار الحمقى والمغفلين «عليّ وعلى أعدائي».. والنتيجة سيئة للغاية، وغير مرضية لكل من ينشد التقدم والتطور والتميز للوطن اليمني المبارك، فلا بد أن يتم الُتعامل مع مثل هكذا مظاهر بحكمة وروية.

وبالمقابل فعلى أصحاب المطالب أن يوقنوا أنه لن تسترد الحقوق بالطيش والتهور والفوضى، ولن تحقق الأهداف المرسومة بسوء التنظيم وعدم الوعي والإدراك لأهميتها، ولن يصل المظلوم إلى ميدان العدالة إذا لم يع ِ آلية الوصول المنضبطة.. إنها نتائج يجب أن يعيها من يحلمون بالتغيير الإيجابي ويسعون اليه. إن الحراك السياسي في اليمن يفتقر في مجمله إلى الكثير من الوقفات الجادة لتقويمه وترتيبه حتى لا ينزلق في حمأة الحماس غير المنضبط، والمصالح الحزبية والمناطقية الضيقة، فتنقلب الأمور رأساً على عقب، وتتكرر المآسي ويستمر سيرها لتأكل الأخضر واليابس.

إنني أستغرب كثيراً لأناس يطالبون بحقوقهم وينشدون العدالة وسيادة القانون والمساواة ثم يقترفون ما يناقض مطالبهم ويهدم مساعيهم.. وإنني أتساءل: هل يا ترى لو أن هؤلاء المتظاهرين الذين هدّموا وأحرقوا وعبثوا ورفعوا شعارات بعيدة كل البعد عن ما يطالبون به من الحقوق كالسب والشتم والدعوة إلى الانفصال، ماذا لو أنهم كانوا يحكمون وخرج الطرف الآخر يفعل مثل ما فعلوا، ماذا سيفعلون بهم يا ترى؟.. الذي أظنه أنهم سيفعلون أضعاف ما حصل.

إن همجية التصرفات وغياب القيادة الحكيمة لمظاهر الاحتجاج لن تجدي نفعاً، بل نتيجتهت ستكون وخيمة لا يرتضيها كل ذي لبّ.

المظلومون أحوج ما يكونون إلى قيادة تحسب للاختراقات بين صفوفها ألف حساب، فهي داء يدمر الجهود المخلصة والنيات الصادقة، وتقود مسيرة الاحتجاجات الواعية، والمظاهرات الحضارية على الأوضاع الفاسدة.. وهي بالمقابل تحاور وتراسل السلطة وتدعوها مراراً وتكراراً دون ملل للجلوس على مائدة الحوار النزيه والجدي والنوعي للوصول إلى حل لكل ما يعتور الجسد اليمني من الثغرات والقصور بله الجراحات والتصدعات. أما أن تخرج المظاهرات تحمل في طياتها العبث والطيش والاستهانة بالممتلكات العامة والخاصة، ثم يقال إن هؤلاء يطلبون الحقوق، فأين حقوق الناس الذين أحرقت إعلاناتهم وسرقت محلاتهم؟

الحكيم لا يستعدي السلطان عليه برعونة تصرفاته وهمجية أفعاله، بل يظل يطالب ويطالب ويطالب بالتي هي أحسن، وبالخطط المتقنة والخطوات الثابتة، وبالكلام المتعقل والمتواصل دون شطط أو نزق.. فإن استدامة قرع الباب مؤذن بالفتح والنصر لا محالة.

لا تيأسنّ وإن طالت مطالبة

إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا

أخلقْ بذي الصبر أن يحظى بحاجته

ومدمـن القـرع للأبـواب أن يلجا

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى