حول هيئة مكافحة الفساد

> قاسم عفيف المحامي:

> طالعت في صحيفة «الأيام» الغراء في عددها رقم (5405) الصادر يوم الأحد 18 مايو 2008 مقالا للأخ أحمد سالم شماخ تحت عنوان (جحا وهيئة مكافحة الفساد) على الصفحة الأخيرة من العدد، وقد شد المقال انتباهي ودفعني لتقديم المداخلة الآتية في نفس الموضوع، وهي مداخلة ربما تحمل وجهة نظر أو رأي حول ماهية مهمة هيئة مكافحة الفساد.

أودُّ في البدء أن أسجل إعجابي وتقديري العاليين للأخ الكاتب أحمد سالم شماخ لقدرته على التقاط قصة ظريفة من قصص ونوادر جحا، ومن ثم توظيفها أو إسقاطها على هيئة مكافحة الفساد، إذ كان إسقاطا موفقا من حيث المعاني الاستهلالية لا غير، كما يكون الإعجاب على مجمل ما جاء في المقال عموما.

بيد أنني هنا قد لا أتفق مع ما ألمح إليه الكاتب في المقال، وهو ذلك الفهم السائد حول ماهية مهمة هيئة مكافحة الفساد.

فأنا لا أظن أن مهمتها هي البحث والتحري وكتابة محضر الاستدلال حول هذا الفاسد أو ذاك، فهذه المهمة إن كانت كذلك فهي نوع من إهدار الوقت حتى لو كان فيه نتيجة إيجابية محدودة، وقد لاتكون فيها فائدة تذكر، وربما تكون غير ممكنة تماما، مثل عدم إمكانية تعلم حمار السلطة للقراءة والكتابة في قصة جحا الواردة في المقال المذكور.

والاعتقاد المنطقي، ولو من عدمه، هو أن المهمة الوجوبية لهيئة مكافحة الفساد إنما هي مهمة بحثية علمية جادة ذات قيمة مستقبلية بالدرجة الأولى، تماما مثلما يفهم من اسمها (مكافحة الفساد)، وليس مكافحة الفاسدين، لأن في الثانية وبالنظر إلى واقع الحال هي في معاني الربح أو الفائدة، كذلك السقاء الذي يريد بيع الماء في حارة السقائين. أما في الأولى فهي البحث العلمي الاستقرائي والاستنتاجي الذي يترتب عليه اكتشاف منابع وأسباب وجود الفساد بعينه أو بحد ذاته، وبالتالي تقديم الحلول والمقترحات بما في ذلك التشريعات والقوانين القادرة على تأمين أو ضمان الحد من الفساد أو اقتلاعه عبر سد منابعه وأسبابه.. وهنا تكون المهمة الوطنية للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.وهذه المهمة رغم كونها كبيرة إلا أنها ليست من الصعوبة والتعقيد بمكان، إلا إذا كانت النية مفقودة أو محبوسة، أو كان عدم الانحياز للصدق والحقيقة، وكان الفساد نفسه هو صناعة تجارية محلية ذات أرباح هائلة، يكون من الصعب أو هي السذاجة لقطع سبل الرزق بإرادة من لهم مصلحة فيه.

من هنا فإن النية الخالصة الجادة والصدق مع الذات والأمة والأوطان هما دعائم أو أساسات قوية يمكن المراهنة عليها لتحقيق نجاحات متواصلة في مكافحة الفساد.

فإن توفرتا عند كل ذي شأن في مكافحة الفساد فإن الفساد في زوال لاشك في ذلك ولا ريب!

فإذا بادرت الهيئة من تلقاء نفسها وأخذت في الاتجاه البحثي بالاعتماد على باحثين ومختصين باختيار عدد من الظواهر السلبية القاتلة، أكان في العام أم في الخاص، وركزت الجهود في معرفة المتابع والأسباب لكل ظاهرة أو قضية أو مشكلة على حدة، وكان الوقوف عند الأسباب وتقديم الحلول العلمية الممكنة لها، فإنها هنا قد وضعت نفسها عند بداية الطريق الصحيح.

وحتى لايكون الكلام هنا على عمومياته، فالأفضل أن نقدم مثالا واقعيا وعمليا وحيويا وهاما للاستئناس به أو جعله المهمة الآنية لهيئة مكافحة الفساد من وحي المهمة البحثية العلمية والميدانية.

فهنا في الجنوب أو في المحافظات الجنوبية والشرقية حراك شعبي عارم يمكن أن نسميه ثورة على الفساد والفاسدين، ثورة الدعوة إلى سيادة الدولة وسيادة القانون والمواطنة المتساوية، فلماذا لاتلتقط هيئة مكافحة الفساد والحراك الجنوبي وتبحث بصورة جديدة في دوافع وأسباب خروج الشعب للمطالبة بحقوقه الشرعية والقانونية؟ وهل توجد مظالم وجرائم وسلب ونهب للحقوق والممتلكات الخاصة والعامة؟ وهل ما يحدث في الجنوب سببه فاسدون ومتنفذون، أم فلسفة وثقافة ونظام وثوابت؟، أو هل ما يجري في الجنوب هو مطابق للشرع والدستور والقانون؟.

وعلى العموم فإن الهيئة فيما إذا أرادت أو كان بإمكانها ذلك أو امتلكت النية الإيجابية والصدق الإيماني، فإنها لاشك ستخلص إلى نتائج ذات قيمة وطنية كبيرة، ويصبح بمقدورها خدمة الأوطان والأمم بصورة أكثر فائدة، وستجد أن الفاسدين يتساقطون مثل أوراق الخريف من دون حاجة إلى البحث والتنقيب وكتابة محضر الاستدلال!.

لأن المهم هنا هو إصلاح النظام وإصلاح المجتمع أكثر من كونه إصلاح فرد أو جماعة. ومع ذلك فيمكن للضربة الحديدية الفولاذية ذات الأثر الروعي المهيب أن تكون فاعلة ومؤثرة ومفيدة، وإن كانت ظالمة أو قاهرة، كتلك التي يقال إن الرئيس الشهيد سالم ربيع علي كان قد فعلها في زمانه الرئاسي في زمن الشرعية الثورية (حادثة إعدام سارق)، فالإعدام نعم كان عقوبة غير ملائمة، لكنها بكل المقاييس عقوبة رادعة، وتوجب على الجنوبيين الحزن العميق على ذات الشخص للتجاوز في العقوبة، لكنهم يترحمون عليه، كونه كان السبب في اكتسابهم الكثير من الحقوق، أهمها عدم وجود الفساد أو السرقات، وكان الأمان أيضا، ولكن أين الجنوب من الشمال، وماذا وقد صار الفساد نظاما وعنوانا؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى