الرقم (5) وسر العناء

> محمد بالفخر:

> إذا كان في يوم مضى في غابر الأيام، فرضت فينة معينة لم ترق لها مسميات وهويات ومناطق شعب الجنوب.. ربما لشعور بمركب نقص أو حقد دفين على تراث وحضارة هذا الشعب، فقسمت البلاد بطولها وعرض إلى ست محافظات، وفرضت تسمية جديدة لهذه المحافظات، وكانت هذه التسمية أرقاما من الرقم واحد إلى ستة.

فكان من نكد الدنيا أن يفرض رقم (5) اسما لحضرموت بمساحتها الشاسعة وتاريخها الموغل في القدم منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، كاسم لمحافظة، وليدة ضمن الكيان المستقل حديثا، تحت مسمى (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية)، كما فرض على المديريات في كل محافظة مسميات الجهات الأربع وبينهم الوسطى.. وما أدراك ما الوسطى؟!.

وبعد أن طارت السكرة، وجاءت الفكرة، وعاد الفكر السليم إلى العقل السليم، وأعيدت تسمية المحافظات باسمائها من عدن إلى المهرة.

ثم جاءت وحدة 22 مايو السلمية، ودخلت شبكة الاتصالات الهاتفية مرحلة جديدة، ووزعت مفاتيح المحافظات، وأعطي لحضرموت رقما يتقدمه الصفر طبعا بالنسبة للاتصال الداخلي كمفتاح للاتصال إلى حضرموت، ثم جاء يوم 1994/7/7، وتمّ فيه تغيير اللوحات المعدنية للسيارات من أسماء إلى أرقام، وأعطي لحضرموت رقم (5) أيضا!.

ما السر أيها السادة في هذه الملاحقة من هذ الرقم العجيب؟.. ربما لم يكن هناك سر ولا هم يحزنون، إنما مصدر من مصادر الإزعاج المتلاحق.

إذا ركبت سيارتك واتجهت شمالا أو غربا أو شرقا أينما اتجهت، فأنت إذن تركب سيارة لوحتها تحمل الرقم (5).. وبالتالي فأنت هدف سهل وصيد ثمين لنقاط التفتيش المنتشرة على كافة طرقات البلاد بطولها وعرضها، فيصطنعون لك أي مشكلة.. أخفها ضررا أن يكون الحكم (قَبيَلة) بفتح القاف والياء وبينهما باء ساكنة.. ليس النقاط فحسب، بل عساكر المرور في كل المحافظات، أصبح عندهم الرقم (5)، هو مصدر من مصادر الإيراد إلى الجيوب، التي لاتقنع بما كتبه الله لها، وأصبحت القناعة لديهم أن أصحابها سريعي الدفع مجرد ما تهدده بالإيقاف أو المخالفة المصطنعة.

هذه ليست افتراءات، بل هي معاناة دائمة على مدى أربعة عشرة عاما عايشتها كلما فكرت بالسفر بسيارتي الخاصة إلى أي مدينة يمنية كانت.

والأعجب أنه في إحدى السفرات أوقفني شرطي مرور دون غيري طالبا الملكية والرخصة، فأعطيته ما يريد، فقال: «ماذا تريدني أن أقول لك الكفر أملس أم الزجاج مخدوش»، فقلت: «لا هذه ولا تلك، أنظر بأم عينيك، الكفرات جديدة والزجاج أشد لمعانا، ووسائل السلامة موجودة، ولله الحمد» قال لي: «خله يفتهم لك لاتعطل نفسك ويروح عليك الوقت..». تصوروا كم إنسانا يتعرض لهذا الابتزاز كل يوم؟!.

وكنت يوما في وسط العاصمة صنعاء، وتحديدا في شارع القصر، والشارع مليء بالسيارات ذهابا وأيابا، وكلها تمشي ولايعترضها أحد، فانبرى لي عسكري مرور يوقفني، ثم صعد إلى جانبي في السيارة، وطلب الملكية والرخصة، فأعطيته ما طلب، فلم يجد عذرا، فقلت له: «لماذا الاستهداف؟ لماذا رقم (5) بالذات؟ لو أوقفت جميع السيارات كجزء من حملة تفتيش على الجميع دون انتقاء فسأعرف أن مقصدك سليم، وأن القانون على الجميع، أما أن تخصني دون غيري بتفتيشك، فالمسألة لاينبغي السكوت عنها».

حصل هذا الأمر لي مرارا في صنعاء وتعز وعدن والحديدة وشبوة وذمار وإب وأبين، وحصل لغيري أكثر، فماذا نقول؟ نقول حسبنا الله ونعم الوكيل!.

السيارات التي تحمل لوحات سعودية وخليجية تجوب شوارع المدن اليمنية، وطرق المحافظات، وتضرب لها التحية باستثناء السائرة إلى طريق حضرموت، معنى ذلك أن أصحابها من حضرموت، تتعرض لنفس أساليب الابتزاز من المرور المداوم على طرقات أبين وشبوة.

«لمن نشكو مآسينا

أنشكو ذلنا ضعفا لوالينا

فوالينا أدام الله والينا

رآنا أمة وسطا فما أبقى لنا دنيا ولا أبقى لنا دينا»

أحمد مطر

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى