الوطن من خلق الرحمن والنظام من صنع الإنسان

> عمر محمد بن حليس:

> هذه المرة أحاول أن أغوص في العام والابتعاد عن الخاص، مع أن الفلسفة علمتنا أن كلا منهما مكمل للآخر، وهي محاولة مني للتذكير ليس إلا لعل الذكرى تنفع، فمعلوم أن الله سبحانه وتعالى، وبحكمة منه خلق السموات والأرض قبل خلقه الإنسان، فيقول عز من قائل: «أولم يرى الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون».

والمقصود بالأرض هي الأوطان ومفردها (الوطن)، أي وطن في أي بقعة من بقاع الدنيا، والوطن يعني هذه الأرض التي يعيش عليها الناس وغيرهم من مخلوقات رب العالمين، يعني المساحة (الجغرافيا) والحدود والماء والحجر والشجر، العنوان والكيان والانتماء، إذاً فهو الباقي حتى قيام الساعة، سيبقى لأنه من خلق الرحمن الذي أتقن خلق كل شيء.

وكتاب الله الكريم يوضح لنا ذلك في الكثير من الآيات التي بالعودة إليها سنجد الإجابة الشافية فيها، وهذه حقيقة لا مناص من الاعتراف بها من قبل الإنسان نفسه، وهي بالطبع لاتقبل الجدال أو النقاش أو التكييف، بل ويجب أن تقطع دابر من يفكرون بعقلية تدمير أوطانهم لمجرد أن الأنظمة فيها لاتروق لهم، فيرون أن العبث بالأرض (الوطن) بأمنه واستقراره ووحدة أبنائه- وبالتالي هدم بنيانه- هو السبيل الأقصر لإعلان وجودهم على أية ساحة في أوطانهم.

أما الحقيقة الثانية فهي أن ربنا سبحانه وتعالى بعد إتمامه لخلق السماوات والأرض وما بينهما، خلق الإنسان من نفس تكوين هذه الأرض (الطين)، ليبين لنا العلاقة الجدلية بين هذين المخلوقين (الأرض والإنسان)، ثم جعله خليفة فيها ليعمر ويبني ويشيد ويؤسس كياناته، «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا».صدق الله العظيم.

وهذه الشعوب أو القبائل المخلوقة هي التي تؤسس أنظمتها السياسية والاجتماعية من أجل تنظيم العلاقة بينهما من ناحية، وبينهما وبين الآخرين من ناحية أخرى، وهذه حقيقة تؤكد لنا أن النظام السياسي هو من صنع الإنسان، ومادام الأمر كذلك فحقيقتها أنها ليست دائمة كما هو حال الأرض (الوطن) بقدر ما هي فانية، والأيام فيما بينها متداولة، وفيها يقول الحق تبارك وتعالى: «وتلك الأيام نداولها بين الناس..» صدق الله العظيم.

ومن هذا المنطلق بين لنا كتاب الله الكريم أن كثيرا من الأقوام قد خلت من قبلنا، كما أن الواقع يؤكد لنا ذلك، فكم هي الأنظمة التي تعاقبت على الحكم في مختلف الأوطان، لكنها في الأخير ذهبت بطرق مختلفة، وقامت على أنقاضها أو بدلا عنها نظم حكم أخرى، ومع هكذا حقيقة فلا ينبغي الخلط بين الوطن والنظام، وتحت أية ذريعة أو سبب أو قناعة.. فالأوطان هي الباقية كما سبق الإشارة، أما الأنظمة فحتما ستزول ولن يبقى منها إلا ما يذكر الناس في جوانب الإيجاب أو السلب.

إنني علي يقين تام أن ما ورد سلفا لم يكن جديدا، لكنه وكما قلت محاولة للتذكير فقط، فالوطن من خلق الرحمن والنظام من صنع الإنسان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى