المكلا ومصائب الدنيا السبع

> وليد محمود التميمي:

> حتى وقت قريب كانت مدينة المكلا مصدر إلهام لقصائد الشعراء وكتابات الأدباء والفنانين والصحفيين العرب والأجانب، وعنواناً مفضلاً للوحات الرسامين، ولقطات المصورين الفوتوغرافيين، فهي المدينة التي تغمر زوارها بالدفء والحنان وتمنحهم الهدوء والأمان الذي افتقدوه في مدنهم الكبرى، وتجعلهم يشعرون بلذة الحياة بعيداً عن الضوضاء والضجيج، وحلاوة العيش إلى جوار أناس بسطاء متواضعين، دمثي الخلق، كرماء متعاونين، وهي المدينة التي بقيت تحافظ على موروثها المعماري الفريد وتتباهي بمعالمها الحضارية وبجمالها وأسرار جاذبيتها، ونظافة شوارعها وأحيائها، وأناقة مبانيها، وروعة شواطئها، وبراءة ولطف كل من تحلى وتشبع بصفات قاطنيها الأصيلين.

تلك هي المكلا أيام زمان، قبل أن تصاب مفاصلها بالإهمال، ويعتري أوضاعها الخلل، وتتكالب عليها الظروف والمحن، وتتقاذفها المصائب وتتلاعب بهويتها الأهواء والمصالح الضيقة التي أفرزت واقعاً مريراً ومأساوياً، انقلبت على إثره صورة المكلا في وجدان عاشقيها من مدينة حالمة، بهية، فاتنة.. إلى مدينة لا تغتسل بزخات المطر وإنما بمياه المجاري المتدفقة من باطنها بسيول وشلالات تعيث خراباً وتشويهاً في شوارعها لتستقر في نهاية المطاف في برك ومسطحات مائية عفنة موحلة، يتم تشفيطها وتصريفها في خور المكلا الذي صار (رمه).

كما أصبحت أحياؤها حدائق مفتوحة للحيوانات (الضالة والمشردة) كالكلاب والفئران والجرذان وحتى الغربان التي تتغذى على أكوام القمامة والقاذورات، وتستحم بحمام مياه مجاري (سونا)، لدرجة أن سكانها تعودوا على التمدد في أسرتهم ليلاً على نباح الكلاب والاستيقاظ باكراً على نعيق الغربان المزعجة، بديلاً عن زغردة العصافير وشقشقة الطيور وصياح الديوك.

حتى طابع المدينة المعماري انتهكت خصوصيته، وانتشرت في الأفق سلسلة من العمارات والمباني الشاهقة التي أدخلت على تصاميمها الهندسية زخرفات ومعالم لا تمت لفن العمارة الحضرمية بأي علاقة أو صلة .

كما تحولت طرقات المدينة بسبب المشاريع العشوائية غير المدروسة ومخلفات البناء إلى أفخاخ ومصايد تترصد خطى المارة وتعيق حركة المرور وتضاعف من حدة الزحام، وتثير الصخب والفوضى.

والأخطر من هذا وذاك بروز ظواهر اقتصادية مدمرة تهدد النسيج الاجتماعي في المدينة نظراً لاتساع رقعة الفقر والبطالة، حيث انتشرت مظاهر (الشحاذة والتسول) التي كانت موسمية في العادة ومقصورة على عدد من أشقائنا (الصومال) وأبناء المحافظات المجاورة، ليتواصل (مهرجان التسول) في المكلا على مدار العام بعد أن تم استنساخ التجربة من العاصمة الكبرى صنعاء.

حقيقة كنا نتمنى أن نعدد في المقال مزايا ومقومات المكلا التي كانت تمنحنا حق المطالبة بتتويجها بلقب إحدى عجائب الدنيا المائة أو حتى الألف، ولكننا استجابة للغة العقل والمنطق فضلنا رصد مصائب الدنيا السبع، التي أصابت المدينة بما يشبه النكبة، علنا نسهم في تحريك الجمود، وإيقاظ الضمائر الحية.

وعودة لتتبع قائمة المصائب الكارثية التي حلت بالمدينة البيضاء، تجدها عزيزي القارئ سبعاً، ولكنها تتناسل يوماً بعد يوم لتتجاوز أضعاف، أضعاف.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى