لو كان في الجو مطر.. كانت غيمت

> جلال عبده محسن:

> يروي توفيق الحكيم رحمه الله في إحدى قصصه الرمزية القصيرة التي أسماها (نهر الجنون)، أن بلدا ما يخترقه نهر، ما إن يشرب منه أحدهم حتى يصاب بالجنون.

ويوما بعد يوم تزايد مجانين هذا البلد، والملك ووزيره يتابعان ما يصيب الناس، ولايجدان لذلك حلا، إلى أن أتى اليوم الذي لم يعد في هذا البلد من يشرب من هذا النهر إلا الملك ووزيره.

وسأل الملك وزيره المشورة فأجاب الوزير: مولاي.. لم يبق لنا إلا أن نشرب من النهر، فمن العقل أن نكون مجانين وسط المجانين، ومن الجنون أن نكون عقلاء وحدنا وسط المجانين!.

وتظل قضايا الفساد في الدول النامية، ومن ضمنها بلادنا، من القضايا الشائكة المعقدة، التي تراوح مكانها، وغالبا لايتم البوح بها، وتنتهي بالتقادم، وهو ما كشف عنه تقرير مراجعة سياسة التنمية في اليمن البنك الدولي «.. إن حالة الفساد في اليمن خطيرة، فبالرغم من مصادقة اليمن على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد إلا أنه حتى اليوم لم ترفع أية قضية فساد ضد أي مسئول كبير بسبب الفساد». «الوحدة» 2006/12/20.

إن ما يقوم به الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة حتى الآن هو بمثابة محاولة ترقيع للثوب البالي، وقد استبشرنا خيرا مع صدور القانون رقم (39) لسنة 2006 لإنشاء هيئة لمحكافة الفساد، إلا أنه وبعد مرور ما يقرب من عام على إنشائها، يبدو أن هناك قيودا تكبل عملها، وأن التخلص منها يتطلب تعديلات قانونية ودستورية، وهذا ما أكدته ورقة أحد أعضاء الهيئة، وعلى الرغم مما احتوته تلك الورقة من صراحة في القول وشجاعة في الطرح إلا أنها حملت معها إحباطا للآمال الكبيرة، التي نتطلع إليها، وبما يلبي طموح كل من استبشر بها، حيث أشارت الورقة إلى أنه من الصعوبة العمل في بيئة كهذه، ويستحيل البدء بخطوات جادة دون إكمال منظومة تلك التشريعات، وهو الأمر الذي يعني تأخر عمل الهيئة بالقيام بمهامها، ولايبدو في الجو مطر وإلا كانت غيمت، والوقت ليس في صالح الجميع، فقد ضاع الكثير، وما لم تسرع في ذلك فإنه ومع طول الصمت وعدم تحريك الساكن نخشى أن يأتي اليوم الذي يضطر فيه البعض من الشرفاء والمخلصين في هذا البلد ممن لاتزال أيديهم بيضاء أن ينحو نحو الملك ووزيره، مفضلين أن تتلوث أيديهم ضمن جماعة الفاسدين على أن يظلوا شرفاء، والكل من حولهم ملوثون.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى