انتخابات المحافظين

> د.عبدالرحمن المفلحي:

> نبأ عاجل ورد، مفاده أن مرشح اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام قد فاز في اقتراع محافظة المحويت، وبعد دقائق ورد نبأ عاجل آخر يقول: «إن عملية الفرز في محافظة المحويت قد بدأت للتو».

شدت انتباهي هذه الأنباء العاجلة المستعجلة التي كانت ترد تباعا إلى صفحة الويب الخاصة بـ (انتخابات) المحافظين صباح يوم السبت 17/5/2008.

ولم يكن ذلك هو الشيء الوحيد الذي يثير الانتباه، بل إن الانسحابات المتتالية لـ(المتنافسين)، وعدم وجود فارق في نتائج التصويت في معظم المحافظات التي تقدم للترشح بها أكثر من مرشح، لم تكن أقل إثارة للانتباه.

الحقيقة أنني كنت على قناعة قبل بدء (انتخابات) المحافظين أن ما يجري التحضير له ليس سوى مسرحية ركيكة الإخراج، ذات بعدين: الأول ظاهري قصير المدى يخاطب الخارج، ولكن بشكل مقيت، والثاني وهو الأهم البعد الجوهري الذي يستهدف ما يستتبع هذه (الانتخابات) من (انتخابات) محتملة في 2009- 2012-2013.

إن إرادة السلطة في اتخاذ قرار الانتقال، حتى بالقرار الإداري والمالي من المركزية الشديدة إلى الوحدات الإدارية (المحليات) التي يفترض أن تنتخب ممثليها وقياداتها بإرادة حرة مستقلة من هيمنة المركز هي في أضعف حالاتها.

وبعد إعلان نتائج (الانتخابات) ترسخت قناعتي أكثر أن تنمية الوحدات الإدارية والإرادة الحرة المستقلة للناخبين، وثقة المركز في المحليات، هي الأهداف الأكثر غيابا عن وعي وقيم صانعي القرار، وإلا كيف نفسر ما يلي:

أولا: ابتسار الغايات السامية لحق أبناء الوحدات الإدارية في اختيار ممثليهم بحرية ودون وصاية، بفرض الأمر الواقع عليهم ضدا لرغباتهم واجتزاء لكينونتهم، وذلك عندما يتم اختزال (انتخاب) رأس السلطة المحلية لمدة أربع سنوات من قبل هيئة ناخبة منعدمة الإمكانية للتنافس، والذي هو شرط أساسي تنعقد عليه عمليات الانتخاب حتى في ظل أكثر الأنظمة تخلفا ودكتاتورية (روديسيا العنصرية سابقا، زيمبابوي حاليا وكينيا) مثالا لا حصرا، سيكون المحافظ بذلك رئيسا لمجلس لم ينتخبه، بعد (الانتخابات) المزمع انعقادها في 2009، إذا لم يتم تأجيلها إلى 2012.

ثانيا: حتى في ظل مقاطعة أحزاب اللقاء المشترك وانعدام فرصة المستقلين (الحقيقيين) استيفاء شروط الترشح، فإن المتقدمين للترشح كمستقلين هم أصلا قيادات وفي هيئات حزب المؤتمر، وجلهم إن لم يكن جميعهم قدموا للمؤتمر وقيادته في المركز خدمات بأنواعها تمثل من وجهة نظرهم أهمية خاصة، وكل تلك الخدمات لم تشفع لهم، فقد مورست حيالهم أساليب مختلفة من الترغيب (محافظة عدن أنموذج) والترهيب للمرشح وأنصاره (محافظة لحج أنموذج آخر)، وأعتقد أن الحال لايختلف كثيرا في محافظات أبين وشبوة والبيضاء وغيرها من المحافظات للانسحاب من (منافسة) مرشح اللجنة العامة وإخلاء الطريق أمامه لضمان الفوز وتجنب إصدار قرار رئاسي بالتعيين في حال فشل (انتخابه).

كلمة انتخاب يفهم منها أنها عملية الاختيار الواعي الحر والشفاف لبديل من اثنين أو أكثر من البدائل المتاحة، وفي ظل بيئة انتخابية جيدة وفرص متكافئة لجميع المتنافسين، ويكون متاحا ومحتملا لأي منهم الفوز.

ثالثا: التعجيل بإعلان القرار الجمهوري رقم (18) لعام 2008 بإجراء تعديل على القانون رقم (4) لعام 2000، فيما يتعلق بانتخاب المحافظين خلال أسبوعين، في حين أن حزمة التعديلات لنفس القانون كان قد أعلن معالي وزير الإدارة المحلية أنه تمت صياغتها بعد عرضها على الاختصاصيين وأساتذة الجامعات، وكانت جاهزة لبدء الإجراءات القانونية لتقديمها إلى البرلمان.

إن المطلوب لتحقيق أهداف سامية سلوك أساليب سامية أيضا تلائمها، لأن معالجة الأهداف الجيدة بأساليب وأدوات غير جدية ينتج عنه أوضاع خاطئة.

واستخدام أدوات جيدة لتناول أو لتحقيق أهداف سيئة ينتج عنه أيضا أوضاع خاطئة.

وبالمقابل فإن الأهداف الجيدة التي يستخدم لتحقيقها أدوات وأساليب جيدة فقط يمكن أن تقود إلى الأوضاع الصحيحة.

لذلك فإنه لا مندوحة أمامنا إلا أن يقتنع متخذو القرارات الكبيرة أن لجميع المواطنين حقوقا في أن يقولوا رأيهم ويعبروا عن قناعاتهم بحرية، وبدون مصادرة أو حتى توجيه إلى النقيض أو تزوير لواقع يمكن أن يخلق مستقبلا أكثر أمنا واستقرارا للجميع.

إن تزوير إرادة الناس لايعني حصرا التعديل الوثائقي للبيانات والمعلومات التي يتم معالجتها أو تلك الناتجة عن المعالجة، بل إن أخطر حالات التزوير هي تلك التي تلامس المراحل السابقة للحدث بهدف إثناء الفرد والضغط عليه لتعديل إرادته جزئيا أو كليا إلى النقيض باستخدام أساليب مختلفة، منها مثالا لا حصرا:

1- الإغراءات المادية والعينية بعد دراسة سيكولوجية الفرد مسبقا لمعرفة احتياجاته وتطلعاته المشروعة وغير المشروعة.

2- التهديد أو التلويح بتعريض الوظيفة أو أية امتيازات مادية أو عينية مكتسبة للتأثير السلبي برأي الفرد أو قناعاته التي لاتتفق مع ما هو مطلوب منه.

3- التهديد بالإيذاء النفسي أو الجسمي للفرد أو لأحد أقرب أقربائه.

أو غيرها من الأساليب التي لايعرفها إلا المختصون. وقد قيل عن أحد الباباوات الإنجليز الكاثوليك (جارنيت) إنه كان يتكلم بلسانين لبراعته الكلامية التي تمكنه من تضمين معنيين متناقضين لخدمة غرض معين له.

وفي معرض رده على اتهامه بمؤامرة لنسف مقر البرلمان الإنجليزي في عام 1606 (أدين وأعدم بعد ذلك) قال: «إن هذا النوع من الكلام بالنقيضين يكون مبررا إذا كان الهدف منه نبيلا، وإن خرق القانون الجائر لايعتبر خيانة»، وكان ذلك تبريرا لمقاومة الكنيسة لاضطهاد الدولة.

استرعت انتباهي هذه الحكاية وأنا أقرأ بعض الانتقادات الموجهة لرائعة المسرح العالمي (مكبث) لشكسبير، ولا أعلم لماذا تبادر إلى ذهني فورا سيل التصريحات الرسمية والأحاديث التي (أبدع) فيها عدد من نخبة المجتمع اليمني في وصف وربط ما جرى من (انتخابات) في اليمن بما يجري في العالم الحر من انتخابات. والشاهد هنا أن الأمر يقوم على الحرية الحقيقة في التعبير عن الرأي والقناعات ودون تعسف أو توجيه قهري لها لخدمة السلطة، لأن ذلك يقود بالضرورة إلى التكريس الواعي للسلوك الانتهازي النفعي الذي قد يوفر مغنما آنيا لفرد أو جماعة على المدى القصير، ولكن نتائجه بعيدة المدى، ولا شك كارثية على أولئك وعلى المجتمع ككل.

ويوما ما، وقبل حوالي خمسمائة سنة من الآن تقدم نيكولا مكيافيللي (1469- 1527) بنصيحة إلى الأمير لورنزو العظيم، وهو أحد أفراد أسرة مديشي التي كانت تحكم فلورنسا (إحدى المدن الإيطالية حاليا) يقول فيها: «إنه لابد أن يبدو أمام الناس رحيما وصادقا ومستقيما وشجاعا ومتدينا». وشدد على الصفة الأخيرة على اعتبار أن الناس يحكمون على ما يرونه بأعينهم وليس ما يدركونه، ويردف قائلا: «كلنا يستطيع الرؤية، لكن قلة قليلة منا تستطيع أن تدرك واقع الحال الذي أنت عليه، وإن عرفت فهي غير قادرة على مواجهة الكثرة التي تحميها مهابة الأمير». (كتاب الأمير ص 91).

وقد جاءت المقولة التي اشتهر بها مكيافيللي «الغاية تبرر الوسيلة» في سياق نصيحته للأمير بهدف المحافظة على الحكم، على أساس أن جميع الوسائل التي يستخدمها الأمير سوف يحكم عليها العامة أنها شريفة، وسوف يمدحونها أيضا، وفي هذا الصدد يقول: «إن الناس يحكمون على الأشياء من منظرها الخارجي، وهذا العالم يتكون من هؤلاء العامة، أما الساذجون فهم قلة تنعزل حين تجد الكثرة مجتمعة حول الأمير». (المرجع السابق).

إن تطور الشعوب في عالم اليوم يقاس بحدة تسارع مؤشرات التنمية، وليس بإحداث (خطوات إلى الأمام) في كل مرحلة.

لذا فإن من نافلة القول إن التنمية هي الهدف أما (الانتخابات والديمقراطية وغيرها) ما هي إلا وسائل وأدوات تستخدم لتحقيق الهدف الذي لايمكن حدوثه إلا بمشاركة الجميع، وبعيدا عن الوصاية وبالحرية الكاملة وبدون ابتسار، وبالصلاحيات الكاملة، وبدون اجتزاء أوتخوف من انفراط عقد السيطرة على المحافظات أو فقدان مصالح البعض.

المطلوب أيها السادة إذا كنا حريصين على مستقبل هذا البلد أن لانختلف عندما يكون مطلوب منا القول إن الأبيض أبيض وإن الأسود أسود، لسبب بسيط هو أنها ألوان أصل غير خليطة، وفيما عدا ذلك من وصف للألوان دعونا نختلف كيفما شئتم.

وأخيرا، لـ (علي ماطر) صاحب المكانة الرفيعة في قلوب أبناء محافظة لحج عامة أقول له تذكر دوما المثل القائل: «إن السم الذي لايقتلك.. يقويك»!.

أستاذ إدارة الأعمال المشارك جامعة عدن

عدن 21 مايو 2008

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى