نخاطب حكمة الرئيس .. الاعتقالات لا تحل المشكلات بل تعترف بها وتعمقها

> محمد قاسم نعمان:

> الاعتقالات، وتضييق الخناق، والمواجهات الأمنية التي تتم أثناء وبعد أي تحرك ونشاط يجسد التعبير عن الرأي والمطالبة بالحقوق أو رفض انتهاكات الحقوق، ليست حلولاً للمشكلات التي يعيشها المجتمع.

التعبيرات والحراك الشعبي الذي شهده العديد من محافظات البلاد وخاصة المحافظات الجنوبية لا يمكن استخدام العنف والقوة والمواجهات الأمنية والاعتقالات لقمعها وإسكاتها.

صحيح أن هذه الأساليب والوسائل الأمنية يمكنها أن تحد من هذا الحراك العام والتعبيرات العامة وتضيق الخناق على المشاركين فيها .. لكنها بالطبع لا تلغي وجود المشكلات .. ولا توقف أسبابها ولا تمنع تراكمها واستمرارها وبقاء وازدياد غضب الناس منها كما لا تمنع آثارها لدى الأفراد ولدى الأسر ولدى المجتمعات المحلية التي تعاني وينتمي إليها الجماعات والسكان الذين يعانون من هذه المشكلات.

سألني ذات مرة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية أثناء لقائي به عام 1992م لغرض إجراء حوار صحفي معه وكنت حينها مديراً لتحرير صحيفة «صوت العمال»، وكان منزعجاً بعض الشيء من المساحة الواسعة التي تعطيها «صوت العمال» لحرية الرأي والتعبير .. سألني قائلاً: لماذا هذه المساحة الواسعة للآراء والتعبيرات التي تعطونها في صوت «العمال» ؟ - وكانت تجربة الصحافة وحرية التعبير في ولادتها الأولى - قلت له حينها : ياسيادة الرئيس التجربة التي عشناها في الجنوب بحرمان الرأي الآخر عن حق التعبيرات أوصلتنا إلى مأساة 13 يناير.. لأن الناس عندما يحرمون من حقهم في التعبير العلني يمارسون حقهم هذا في السر .. وهنا تكمن الخطورة ..لأن العمل السري ينتج عنه أخطر المشكلات التي تواجه الحكم والأنظمة والمجتمعات .. ولهذا بدلاً من كبت حرية التعبير لابد من السماح للناس في أن يعبروا عن مشاكلهم وقضاياهم بالعلن .. وتعرف السلطة والحاكم والناس هذه المشكلات والقضايا حتى يعملوا مشتركين على حلها .

أتذكر حينها أن الأخ الرئيسعلي عبدالله صالح رد على تعقيبي عليه بحكمته الفطرية المشهود بها بما معناه .. إنه ليس مع تكمم الإخوة ولا منع الناس من التعبير عن قضاياهم ومشاكلهم .

وأضاف قائلاً : الوحدة والديمقراطية هما مكسبنا العظيم ولا تراجع عن الديمقراطية.. تذكرت هذا اللقاء وهذه التفاصيل وأنا أتابع هذه الأيام - بكل أسف - الاعتقالات والمواجهات الأمنية التي تستهدف صحفيين وناشطين سياسيين وحقوقيين ومواطنين، وقلت في نفسي .. هل القائمين على الحكم يريدون الناس أن يتحولوا للعمل السري !! وهنا سيكون الخطر ..!

لقد قال الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، في أكثر من مرة إن معالجة قضايا الديمقراطية بمزيد من الديمقراطية .. وهذا القول الحسن ندعو إلى العمل به لأنه بالفعل حسن وصائب .

إن غضب الناس وتحركهم وانتقاداتهم وتظاهرهم وتعبيراتهم واستياءهم من أخطاء وسلبيات وسياسات خاطئة ارتكبت بحقهم وبحق أهدافهم وطموحاتهم وأمانيهم الوطنية والإنسانية لا يعطي المبرر لهكذا رد فعل يوسع من انتهاك حقوقهم الدستورية والإنسانية بالاعتقلات وتقييد حرياتهم .

إن الاعتقالات والتضييق على الحريات والحقوق الوطنية والدستورية والإنسانية والإجراءات الأمنية المتشددة لا تنفي وجود المشكلات، وإنما تؤكدها، بل وتعمقها وهذه هي الأكثر خطورة، وهي المأساة بعينها، والسماح للناس بحرية التعبير العلني خير كثيراً من دفعهم إلى التعبيرات السرية - وكلنا يعرفه وتاريخنا القريب يحمل دروساً وعبراً غنية ومهمة في ذلك .

إن حل هذه المشكلات يأتي من خلال التعرف المسؤول والناضج، والاستماع لهذه المشكلات وطبيعتها وأسبابها بعيداً عن أي أحكام مسبقة وبعيداً عن أي حسابات حزبية وذاتية وضيقة الأفق، وبالتالي السعي الجاد والمسؤول إلى حلها وليس الالتفاف عليها بطريقة أنا الشاطر والقوي ..!

إن الوحدة اليمنية لا يجب أن توضع في موقع الاتهام بدلاً عن المتهمين الحقيقيين، كما إنه لا يجب وضعها في موقع المشتبه بها بدلاً من المشتبه بهم الحقيقيين، وبالتالي فإن الوحدة اليمنية ليست المعنية بالمسؤولية تجاه الأخطاء والسلبيات والسياسات الخاطئة والفساد الذي يعاني منه المجتمع والنظام والحكم القائم .. وتسبب في غضب الناس ورفضهم استمرار السكوت عنه.

كما أن الوحدة اليمنية لا يجب أن توضع في زاوية من معها ومن ضدها .. لكن من يجب أن يوضعوا في هذه الزاوية والمساءلة والاتهام هم من مارسوا الأخطاء والسلبيات والسياسات الخاطئة التي نفذت بعد حرب 1994م واتسعت في ضوئها ممارسة الفساد وانتهاكات حقوق الناس والوطن والمستقبل.. كما يوضع في هذه الزاوية - زاوية الاتهام والمساءلة - من وقفوا ويقفون مع تلك الأخطاء والسلبيات والسياسات الخاطئة، ونحدد كذلك من ضدها ويسعى باتجاه تصحيحها وإعادة الأمور إلى نصابها الوطني والإنساني والحقوقي الذي تجسده الوحدة اليمنية والديمقراطية !

إنني أناشد فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، سرعة التوجيه بالإفراج عن جميع المعتقلين والمحتجزين بسبب نشاطهم العام ومشاركتهم في التعبيرات الديمقراطية السلمية المجسدة لحقوقهم الإنسانية والمحمية دستورياً ودولياً بالاستناد إلى المواثيق الدولية المعنية بالحقوق الإنسانية والحريات التي وقعت عليها اليمن وأصبحت ملزمة بها، والانتقال إلى التواصل والحوار المسؤول بروح حب الوطن وسعادة الإنسان اليمني ودعماً لمكسب الشعب اليمني العظيم المتمثل بالوحدة والديمقراطية .

ولنا أمل عظيم.

رئيس تحرير صحيفة «التحديث»

رئيس مركز اليمن لدرسات حقوق الإنسان

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى