قاموس الأمثال العدنية

> سعيد عولقي:

> كلما اشتقت للقراءة ولم يكن عندي الجديد من الكتب أعود إلى مكتبتي أقلب بين أرففها لعلني أظفر برؤية كتاب لم أقرأه من قبل أو يستحق أن أقرأه مرة أخرى.. وكثيرا ما أمر بكتاب (قاموس الأمثال العدنية) لمؤلفه خان صاحب عبدالله يعقوب خان العدني.. وحتى لا يلتبس على بعض القراء كما حدث معي في البداية، فإن اسم المؤلف لايبدأ ويتعاقب كما ورد أعلاه.. فالاسم الأصلي يبدأ من عند عبدالله يعقوب خان.. أما خان.. صاحب، فهو أشبه بالرتب أو الدلالات الاجتماعية والمكانة.. وأضرب على ذلك بمثل واحد هو مصر.. حيث يقال فلان باشا أو فلان بيك إلخ.. وهكذا فإن ما قبل اسم أستاذنا عبدالله يعقوب خان دلالات على مكانته الاجتماعية ووضعه في السلم الاجتماعي.

يقول المؤلف في طبعته الأولى: «بسم الله الرحمن الرحيم، وحمدا لمن ضرب لعباده الأمثال، وصلاة وسلاما على جميع الأنبياء ذوي الأمانة والكمال، وعلى من تابعهم بأفضال..»، ثم ينتقل إلى القول إنه جمع ما تيسر له جمعه في هذا الكتاب من الأمثال العدنية، نظرا للحاجة الماسة إليها، وحبا في انتشار النفع العام.. فرجائي أن يلقى إقبالا عظيما ولاسيما من حضرات ضباط عدن الذين لهم إلمام باللغة.. ويختم المؤلف مقدمته القصيرة بالشكر «لأصدقائي لفضل معونتهم، وأخص بالذكر منهم حضرة خان صاحب سعيد بن علي الفجيجي والسيد محمد عبده غانم سدد الله خطاهم، ووفقنا جميعا للصواب..»، ومقابل اسمه كتب الأستاذ عبدالله يعقوب تاريخ ذلك التصدير، وهو «جون (يعني يونيو) سنة 1933».

بعد خمس عشرة سنة، أي في 1958، كان الأستاذ عبدالله يعقوب يكتب مقدمة الطبعة الثانية لقاموس الأمثال العدنية. يقول في مقدمة الطبعة الثانية: «يقول مثل إنجليزي (الأمثال حكم الشارع)، والحقيقة إن هذه الجواهر الأدبية هي من ابتكار رجال بسطاء غير متعلمين موجودين في شوارع عدن وأزقتها، ونساء ذوات اقتدار على النطق بالنكتة والحكمة مساهمات بذلك في الموضوع حينما يطقطقن بآنيتهن المنزلية داخل خدرهن ذي الأربعة الجدران».

ويمضي المؤلف في مقدمته قائلا: «ومعظم الحكم والأمثال التي انبعثت باستمرار من عقول هؤلاء الذين يدعون بمنبوذي المجتمع في أوقات التهكم أو الاستبشار أو الاستفزاز.. مؤدية من غير عمد قطعا من الفلسفة مطمورة في النكت ومحتوية على نوع من الإيقاع الشعري.. كل هذه تعكس لنا مدى الذكاء الذهني لطبقة من الناس أهملهم، بل وهجرهم المجتمع.. هذه الأنوار المتألقة من هذه الجواهر أذهلتني إلى درجة جعلتني عاجزا عن المقاومة، وقد شعرت في ضميري أن الواجب يقتضي علي أن أحافظ على هذه الجواهر من الضياع والنسيان.. وأن أحتفظ بها في هذا الصندوق الصغير بالرغم مما يكلفني ذلك من وقت ثمين».

وكان الأستاذ عبدالله يعقوب قد طبع الطبعة الأولى- هذا القاموس الصغير- كما وصفه في القاهرة.. وقال إنه لم يكن يتوقع أو يأمل أن الكتاب سيقابل بمثل ذلك الحماس العظيم الذي قوبل به منذ الصدور في طبعته الأولى قبل ربع قرن تقريبا على صدوره الثاني.. وأكثر ما دهش له هو أن هذا الحماس صاحبه نفاد ألف نسخة من الكتاب (وهذا عدد كبير بالنسبة لتلك الأيام) في خلال سنوات قليلة. وبالنسبة للمجتمع العدني الصغير الحجم الكثير التنوع، كان صدور كتاب كهذا حدثا هز الصغير والكبير، وحاز شهرة عظيمة.

ويقول عبدالله يعقوب: «لقد استمتع بكتابي كل من كان يتكلم اللغة العربية في هذه البلدة الصغيرة بجميع طبقاتها.. وحيث إني قد كوفئت على عملي الشاق بذلك الاستقبال الخالص المفعم بالإخلاص للطبعة الأولى فإنني أقدم إلى الجمهور هذه الطبعة الثانية في شكل أحسن ومحتويات أوفر».

لقد احتوت الطبعة الأولى على سبعمائة وسبعين مثلا، ولكن الطبعة الثانية الجديد نقحت وهذبت، وإضيف إليها مائة وخمسون مثلا جديدا.. وطبعت في عدن بمطبعة إبراهيم راسم مؤسس الطباعة العربية في عدن، ولعب الأستاذ راسم دروا فنيا، ولم يكن بمقدور صديقه عبدالله الاستغناء عنه.

والحق يا إخواني أن الكلام جرجرنا معه دون أن نقدم عرضا لبعض الأمثال.. كما أن التمهيد الذي تلى المقدمة يستحق منا نحن إطلالة، لأننا لم نشر هنا إليها بشيء، وهي تستحق ذلك، ويستحق الأخ ياسين خان العزيز الشكر الجزيل لإهدائي هذا الكتاب، كما يستحق الأستاذ عبدالله يعقوب خان التخليد على عمله غير المسبوق.. وأشعر أنني لم أكمل الحديث، وأريد أن تسامحوني لنواصل في مرة قادمة.. إن شاء الله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى