محاكمة التعبير السلمي

> محمد عبدالله الموس:

> سجن ومحاكمات أصحاب الرأي يعبر عن صور الخلل التي تهدد المجتمع، وهي أن يحاكم حملة الرأي، فيما حملة البنادق ومعاول الهدم يسرحون ويعيثون في الحقوق العامة والخاصة وينخرون وحدة الوطن بممارسات لاحصر لها، ونعتقد مع احترامنا للقضاء القاعد والواقف، أن هناك من هم أحق بوقتهم وجهدهم من مجرد حملة رأي يدخل في حكم الرؤى التي لايخلو منها مجتمع.

مشكلتنا في كل العالم الثالث تقريبا أننا لاننظر إلى مشكلاتنا بمسئولية واستدراك، وإنما ننتظر إلى أن تستفحل، ويظن صناع هذه المشكلات أن السكوت عنهم هو علامة الرضى، وتكبر المشكلات ويكثر معارضوها، وبدلا من الاتجاه إلى حل هذه المشكلات نذهب إلى ضرب منتقديها ودعاة معالجتها.

بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع ما ينادي به البعض، فإن ما نمارسه من مظهري الديمقراطية يعتبر منقوصاً، فمظهر الانتخابات تنقصه الحرية في الاختيار التي تتأثر بالترغيب والترهيب، ومظهر حق التعبير يراد له أن يفقد الحرية من خلال المحاكمة والسجن بسبب الكتابة الصحفية أو المكالمة الهاتفية أورسائل الجوال والغناء.

الحراك السلمي الذي شهدته وتشهده المحافظات الجنوبية وبعض محافظات الشمال لم يكن نتيجة لموضوع صحافي أو مكالمة هاتفية أو أغنية من أي ممن تجري محاكمتهم أو من لايزالون يقبعون في السجون، فهناك معاناة وجه رئيس الدولة بمعالجتها، وجرى إصلاح أوضاع بعض المتقاعدين العسكريين والمدنيين وإهمال البعض الآخر، كما جرى إرجاع القليل من الحقوق المنهوبة وبقي الكثير، وصور الخلل والمعاناة ليست محصورة في محافظات الجنوب، كما أن الاعتقاد بأن تجاهل معاناة هذه المحافظات يرسخ للوحدة اعتقاد خاطئ.. الحقوق كل لايتجزأ، وهناك انتهاك للحقوق الدستورية والقانونية لهؤلاء المعتقلين بدءا من الحبس خارج أمر القضاء وصولا إلى الاطلاع على المكالمات والمراسلات الشخصية دون إذن منه، وكم من جرائم أسقطها قضاة عن متهمين بسبب خطأ الإجراءات.

لاضير في أن نسمع بعضنا مهما تباينت الرؤى، فذلك أكثر سلاما من التخوين والتكفير السياسي مع ما يخلفه من شروخ، ولانعتقد أن أحدا فينا ضد الوحدة بعد أن حلم بها الآباء طويلا، وتفتحت مداركنا على هذا الحلم، وذرفنا دموع الفرح يوم رفع علمها في عدن صبيحة 22 مايو 1990، على أن الإشارة إلى الخلل والمطالبة بإصلاحه لاتعني بأي حال المطالبة بالعودة عن الوحدة، إلا إذا كان القفز إلى هذه التهمة يمثل هروبا من استحقاقات إصلاحية، وكما أن معالجة خلل الديمقراطية يتم بالمزيد من الديمقراطية، فإن ترسيخ الوحدة يأتي من خلال الممارسة الوحدوية، فلا الإسكات يعزز الديمقراطية ولا الإخضاع يرسخ الوحدة.

نناشد الأخ الرئيس أن يوقف هذه المحاكمة من خلال عفو عن كل معتقلي الرأي، فنحن في بلد ديمقراطي، ويملك كل منا حق التعبير عما يراه، حتى لو كان المطالبة (بدولة لقريته)، فقط علينا نحن أن نثبت له أفضلية الوحدة من خلال الممارسات المتسمة بالعدل وتساوي المواطنة، وبالتالي الحقوق والواجبات، لا بعسكرة الحياة والقتل والسجن الذي قد يجعل البعض يعبر بطرق لانريدها لوطننا وأهلنا.

نتمنى على مستشاري الرئيس أن يحسبوها جيدا، فلايوجد مجتمع لاتتباين فيه الرؤى، والاختلاف مع العقلاء أفضل ألف مرة من الاختلاف مع غيرهم، والتعبير السلمي أفضل ألف مرة من غيره، وقد قال العرب قديما «عدو عاقل خير من صديق جاهل».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى