استقلالية العمل النقابي في الجامعة يعني استقلالية الجامعة والحفاظ على هويتها ودورها المتميز في المجتمع

> د. محمود شائف حسين:

> لاشك أن العمل النقابي يمثل رابطة اجتماعية وأخلاقية مهمة تجمع بين أفراد المهنة الواحدة أو أي جماعة وظيفية كانت وفق أسس ومعايير محددة تحظى بقدر من التراضي وتلبي حاجة كافة المنتظمين (الأعضاء) في إطارها، وفي المقدمة حماية حقوقهم والدفاع عنها وتحسين ظروف حياتهم المعيشية والعملية.

وتستطيع الهيئات والمؤسسات النقابية أن تلعب دورا مهما في تنمية الوعي الحقوقي والمهني، لاسيما إذا توفرت لها الظروف المناسبة لممارسة نشاطها بحرية واستقلالية كاملة تنأى بها عن التدخل والاحتواء والاستغلال، ويهمنا في هذا الجانب تزامنا مع انعقاد المؤتمر الانتخابي لنقابة هيئة التدريس والهيئة المساعدة بجامعة عدن المقرر انعقاده اليوم السبت التأكيد على ضرورة أن يولي الأخوة المندوبون إلى المؤتمر أهمية لتعزيز وحدة العمل النقابي واستقلاليته باعتباره يمثل الخطوة الأولى على طريق تحقيق استقلالية الجامعة بما يمثله ذلك من ضمان لتحقيق حرية العمل الأكاديمي والبحث العلمي، وتأكيد احترام الحقوق والواجبات وحريات النشر، وتحسين مستوى الأداء المهني لأعضاء الهيئة التدريسية بما يليق بمكانة واسم الجامعة كصرح للعلم والمعرفة والتنوير وكمؤسسة وطنية أوكل المجتمع إليها مهمة صناعة العقول وحسن إعداد الأجيال لمواجهة تحديات المستقبل، وإدارة عملية البناء والتنمية والتقدم.. وبناءً على ذلك يجب أن تحترم خصوصية هذه المؤسسة التي يجب أن تبقى حقلا للممارسة المهنية ومجالا للعمل والبحث العلمي والإبداع والابتكار والتنافس الشريف الحر والمستقل.

ولاحاجة للتذكير بأن الجامعة تحمل اسم مدينة (عدن) بكل ما يحمله هذا الاسم من معان ومدلولات ومشاعر وجدانية في نفوسنا جميعا واعتزازنا وافتخارنا بتاريخ وتراث هذه المدينة الجميلة الساحرة والعظيمة وبدورها الحضاري والثقافي على مرَّ التاريخ والأزمنة، ذلك الدور الذي كان ومايزال وسيظل منارة إشعاع وهداية وتفرد إنساني.

ولأننا لانستطيع أن نتصور عدن إلا أن تكون كذلك في موقع الريادة دائما، فإنه يحز في نفوسنا ويؤلمنا كثيرا أن تتسلل أيادي الفوضي والفساد لتصل حتى إلى الجامعة، وتمتد لتعبث في كل مكوناتها ومفاصلها لتدمر هذه المؤسسة التي تمثل عقل وضمير عدن وعنوان تقدمها نحو الريادة والتحديث.

من ناحية أخرى قد ينزعج البعض من الدعوة إلى استقلالية الجامعة، وقد يقول البعض الآخر إن الدولة من الناحية العملية مسئولة عن توجيه سياسة الجامعة وأهدافها وهذا صحيح، إلا أن ذلك لا يعني تجاوز الأسس والمعايير القانونية والمهنية بحيث تدار الجامعة بعقلية تحولها إلى مؤسسة ممسوخة تفقدها هويتها وخصوصيتها، أو تؤدي أدوارا ليست لها علاقة بوظائفها الأساسية التي أنشئت من أجلها.. بل أن من واجب الدولة لكي تعزز دعواها كجهة مسئولة وكشريك في أي إنجاز أو إخفاق تحققه الجامعة عليها أولا أن تضع نظما محكمة ومعايير عادلة لإدارة الجامعة وللأخلاقيات التي تحكم سلوكها وتوجهاتها، نظما تحترم بالفعل القواعد المنظمة لعمل الجامعة وخصوصيتها، وتبرهن قدرا من التنزه عن تحكيم الأهواء والانتقائية والتجاوزات، وتحقق قدرا من العدالة باعتماد مبدأ الكفاءة والأهلية بدلا من مبدأ الولاء والانتماء.واعتقد أن ليس من مصلحة أحد أن تستمر أوضاع الجامعة على هذا النحو وتدار بهذه العقلية التي لن تؤدي إلا لمزيد من التدهور ومزيد من الانهيار والفشل، وفي هذا الجانب يمكن للنقابة أن تلعب دورا فاعلا ومؤثرا في تصحيح ومعالجة هذه الأوضاع المعوجة سيما إذا أحسن الأخوة المندوبون إلى المؤتمر اختيار الهيئة الإدارية الجديدة والدفع بأفضل العناصر ممن يتمتعون بالكفاءة والمهنية والمسئولية الأخلاقية بعيدا عن الحسابات المناطقية أو الحزبية أو التصنيفات الضيقة التي غالبا ما يراهن عليها لاختراق وحدة العمل النقابي وإفشاله، وبالتالي يخسر الجميع.

والسؤال المطروح هو: هل نستطيع أن نرتقي إلى مستوى المسئولية الأخلاقية والمهنية؟ ونمارس ولو مرة واحدة دورا مترفعا ومتفردا يتجاوز تلك التصنفيات المرضية ويعكس وعي الأستاذ الجامعي وقيمته الحقيقية واختيار هيئة جديدة مستقلة تعبر عن إرادة الجميع وقادرة على عكس هذه الإرادة والتعبير عن نفسها والتحرر من أي الضغوط أو التعبيرات السياسية أو الفكرية والمصالح الذاتية وتغلب الأثرة والصالح العام.

إن الموضوعية تقتضي أن نتعامل مع النقابة على أنها متصل مهني واجتماعي وإنساني ومؤسسة وطنية يتطلب إبعادها عن الوصاية والتوظيفات الخاطئة التي تسلب منتسبيها حقهم الشرعي القانوني في الاختيار والترشيح لمن يرونه مناسبا ويمتلك المواصفات والمؤهلات اللازمة لتحمل مسئولية العمل النقابي أو أي موقع قيادي أو أكاديمي.

ولا أعتقد أن 300 مندوب سيحضرون المؤتمر (وهم على درجة عالية من الكفاءة والمهنية العالية) لايستطيعون اختيار 11 عضوا هم مجموع الهيئة الإدارية الجديدة للنقابة و5 إلى لجنة التفتيش.. ولا نعتقد أن أحدا من هؤلاء المندوبين لم يبلغ السن القانونية حتى يقوم آخرون نيابة عنهم بدور الوصاية واتخاذ القرار.وهناك شيء آخر علينا ألا ننساه وهو أننا كأعضاء نقابة وكأعضاء هيئة تدريسية تمثل صفوة المجتمع (أو على الأقل هكذا ينظر إلينا من قبل المجتمع) على اعتبار أن في هذه الجامعة يوجد خيرة الكوادر والخبرات والقدرات العلمية والفكرية في مختلف التخصصات.. وإذا لم نستطع نحن كنقابة تمثل أهم مؤسسة في المجتمع أن نمتلك إرادتنا المستقلة والحرة وممارسة هذا الحق على مستوى هذا الوسط الأكاديمي المهم علينا ألا ننتظر من الآخرين أو نطلب منهم تغير ما لا نستطيع نحن تغييره، وما لم نكن نحن في الطليعة ومثلا أعلى يحتدى به فإن أفضل ما ننتظره هو ما نشاهده وما يعتمل في الواقع من ثقافة يراد تطبيعها وعلى الجميع قبولها والإذعان لها دون مناقشة.

إننا أمام اختبار صعب يتحدد في ضوئه مصيرنا ومصير الجامعة التي ننتسب إليها ومستقبلها ومستقبل المجتمع.. وقديما قيل:«من لا يحلم بالحرية لا يستغرب نعت الآخرين له بالعبودية».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى