نفط حضرموت النعمة المفقودة

> محمد بالفخر:

> سعدت أيما سعادة، بل كدت أطير من السرور عندما طلب مني الأخوان العزيزان المهندس محسن علي باصرة والأستاذ محمد عبدالله الحامد مشاركتهما في رحلة ممتعة من رحلات النضال السلمي الجنوبي.. كيف لا أسر ومقصد الرحلة هو مديرية غيل بن يمين.. وكيف لايكون السرور والابتهاج وهذه المنطقة من أهم مناطق حضرموت التي تفجرت خيراتها، وفتحت الأرض ينابيعها, ليست ينابيع المياه، بل ينابيع الذهب الأسود.. الذي تحول بياضا على قلوب البعض، وذهبا أحمر في أرصدة البعض الآخر (سبحان مقسم الأرزاق!!).

وفي الطريق إلى غيل بن يمين كنت أمني النفس، بل طفت بذكريات جميلة, وتذكرت الأيام الخوالي التي عشتها في منطقة عزيزة على القلب، نعمنا فيها بأسعد الأيام وقضينا فيها أجمل اللحظات مع أهلها وناسها وقاطنيها.. تلك هي المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية, المنطقة البترولية, مثلها مثل غيل بن يمين مع الفارق الزمني لاكتشاف النفط.

فتذكرت الحدائق الغناء والمتنزهات الجميلة والعمائر الشاهقة والشوارع المنظمة الفسيحة.. وتذكرت الكورنيش الرائع على ساحل الخليج، الذي يبلغ طوله أكثر من 150كم بمساراته المتعددة ومساحاته الخضراء على جانبيه، والأماكن الخاصة بالعائلات وأخرى للعزاب.. وتذكرت أيضا المدارس والمرافق التي بنتها شركة (أرامكو) المنتجة للبترول مساهمة منها في تنمية المنطقة التي تعمل بها.. وتذكرت كذلك، وهو الأهم، الاستيعاب الكامل لأبناء المنطقة الشرقية بدرجة أساسية وأولوية مطلقة في كافة مرافق شركة (أرامكو)، وغيرها من الشركات العملاقة في كافة المجالات.

هكذا سرح بي طيف الذكريات.. ولم انتبه إلا ونحن أمام نقطة التفتيش في مفرق الأدواس المتفرع من طريق المكلا سيئون.. وإذا بالعسكري يسألنا عدة أسئلة بعد أن طلب هوياتنا الشخصية، وبعد أن أصبحت في يده «من أين أنتم؟ وأين (عتسيروا)».. وعدد من الأسئلة الغريبة غير المبررة.. أو لسنا في بلادنا؟!، نعم نحن في بلادنا، ولسنا في بلاد غريبة!.. وبعد مسافة بسيطة من طريق الأدواس ـ ساه بدأ الطريق الترابي المزعج المؤدي إلى غيل بن يمين.. وتكررت الأسئلة نفسها في نقطة أخرى على الطريق الترابي، وتكرر طلب الهويات أيضا.. فقلت لزملائي: «يبدو أن المسئولين حريصون على أبناء غيل بن يمين بعد أن أصبحوا على مستوى عالٍ من الرفاهية والنعيم تجعلهم يكثرون من الأسئلة ويدققون في كل القادمين إليهم حتى لايشاركونهم فيما حباهم الله من النعم، خاصة بعد سنين طويلة من إنتاج النفط.. (اللهم لا حسد!)، ولو أن العساكر المتواجدون في هذه النقاط يعرفون أهل البلاد لما تعرضنا لهذه المساءلة..». قلت لزملائي أيضا: «إذا كانت هذه هي الطريق، فكيف ستكون المدينة؟!». فقالوا: «لاتسأل عن سوق أنت قادم إليه!».

ووصلنا إلى مدينة غيل بن يمين وتجولنا سريعا في طرقها وأزقتها.. بيوت تذكرك بأزمنة قديمة.. لا أثر لتطور.. لا مظهر لتحديث.. لا وسيلة من وسائل الحياة المدنية.. مبنى لوحدة صحية، من الظلم أن ينسب للصحة وهو بهذه الحالة.. أعمدة للكهرباء ملقاة على الأرض، قيل لنا إنها أحضرت أثناء الحملة الانتخابية الماضية، وسيتم تركيبها في الانتخابات القادمة، أما ربطها بالكهرباء فلربما بعد مواسم انتخابية متعددة.

والوضع بشكل عام يكفي أن تنظر إلى وجوه الكبار والصغار لتنبئك ملامحهم بحكايات طويلة، فمظاهر الحرمان والعوز تعيدك إلى قرون قديمة من الزمن.. ومشهد حزين يتألم منه كل صاحب قلب سليم، وهو مشهد مجاميع من الأطفال ممن حضروا المهرجان الخطابي، وهم يتسابقون لأخذ ما تبقى من قوارير المشروبات ومياه الصحة التي قدمت لنا كضيوف في المهرجان. إنه منظر مؤلم يحتاج للتأمل والتفكير ليؤكد أن حالة البؤس والعوز والحرمان قد بلغت أقصى مداها. أطفال لايجدون قيمة قارورة شراب كندا دراي، وتحت أقدامهم تتدفق الآبار بمئات الآلاف من براميل النفط التي تتحول أرصدة بملايين الدولارات، وفللا وقصورا ومظاهر من البذخ والترف والنعيم وسيارات البورش والهمر والصوالين الفارهة يلهو بها أطفال آخرون. وصدق الشاعر الشعبي خليل باسيف عندما قال:

«قالوا لنا كرع شربوا..

قلنا لهم وينه هذا الكرع؟

نحنا خمج نشرب

وهم من بئرنا يتكرعون».

إنها قمة الإيثار يا أطفال غيل بن يمين، فأجركم محفوظ- بإذن الله- فلا تحزنوا، ولكن تبقى اللائمة على أهاليكم ومنظماتكم وأحزابكم لتطالب بأبسط حقوقكم المهدرة.

خاتمة

«وأمير المؤمنين منصف في قسمة المال

فنصف لجواريه ونصف لذويه الجائرين

وابنه وهو جنين

يتقاضى راتبا مثل راتب أهلي أجمعين

في مدى عشر سنين

يارب هل نحن من ماء مهين؟؟

وهم من بيبسي كولا أم أنهم من أسبرين». أحمد مطر

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى