المكرمون في الأرض

> جلال عبده محسن:

> جميل أن يرسى ذلك التقليد السنوي في بعض مرافق الخدمة العامة المختلفة لتكريم العاملين والموظفين في إطار تلك المرافق كمجموعة رمزية يمثلون شريحة أوسع من المخلصين والمتفانين في العمل تقديرا وعرفانا لجهودهم المبذولة ومثابرتهم المشهودة، وقد يصعب تكريم الجميع دفعة واحدة، لذلك يأتي التكريم على هذا النحو كمحطة سنوية رائعة ينتظرها المبرزون بفارغ الصبر كشهادة معنوية قبل المادية على حسن الأداء والكفاءة، وهو مايفترض أن يكون عملا خالصا لوجه الله، ومراقبته دائما في تأدية أعمالنا بكل أمانة وإخلاص ومسئولية.

وكلمة (الجودة) حديثة في مفهومنا اليوم، إلا أن ديننا الإسلامي الحنيف قد سبق أن دعانا إلى الاهتمام بأعمالنا وإتقانها، حيث جاء في الحديث الشريف: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه». والغرض من التكريم لايعدو كونه باعثا للثقة في النفوس، وشهادة من الآخرين من حولنا على نجاح ذلك العمل من عدمه، وفي إطار مبدأ الثواب والعقاب، والأجمل أن يكون ذلك التقليد دعوة أيضا للآخرين لبذل المزيد من الجهد لخلق روح المنافسة والمثابرة فيهم.

الحقيقة إن تقييم الأشخاص وإعدادهم للائحة الشرف للتكريم هو من الأمور المعقدة والحساسة، ويضع لجنة التقييمات أمام تحدٍ صعب لاختيار الأفضل متى ما كان مراعيا أبعاد ذلك لمن هم من حوله، وأنه يشكل الاختيار الموفق قدر الإمكان، كما يجعلها في المقابل عرضة للانتقادات والسخط والاستياء إذا كان في الأمر محاباة ومجاملة على حساب الآخرين.

قد لايخلو الأمر- في بعض الأحيان- من النواقص والمنغصات، وهو ما قد يعتبره البعض انتقاصا، ويرون أنهم لايقلون عن أولئك المكرمين مثابرة وإخلاصا في العمل، وأنهم في مستواهم، بل وأكثر منهم، وإذا كانت المسألة على هذا النحو فإن على هؤلاء أن يدركوا أيضا ويضعوا في حساباتهم أن القائمين على ذلك التكريم هم بشر أيضا، يصيبون ويخطئون في حساباتهم، وعرضة للحسابات الخاصة أحيانا كطبيعة النفس البشرية، وأن عدم التوفيق في اختيارهم اليوم سيكون غدا. أما إذا تعددت المسألة إلى أبعد من ذلك وخضعت للمزاجية والعشوائية، لاسيما في ظل غياب الحسابات المنطقية والشفافة والمحكومة بضوابط ومعايير معدة سلفا ومعروفة للجميع للوصول إليها وبشكل نقاط حول أوجه ذلك التكريم تأخد في عين الاعتبار الأقدمية والكفاءة والانضباط الواعي والمسئول للعمل وحسن الأداء والتصرف في مخاطبة الآخرين، لاسيما في الأعمال التي لها علاقة مباشرة بخدمة المواطنين وترك شهادة تلك الأعمال لرئيس القسم، والمفترض من المشهود لهم بالنزاهة والاستقامة وأمانة المسئولية، كونه المسئول المباشر على ذلك الموظف والذي يدخل في نطاق اختصاصه، وهو القريب من طبيعة عمله.. نقول إذا تعدت المسألة إلى أبعد من ذلك، وأن الأمر بات أشبه ما يكون بإعطاء الحق لمن لايستحق، فإن المسألة تكون عبثية ومجرد شكل لامضمون، ويتحول التكريم نفسه إلى إحباط للمعنويات وكسر للخواطر، وعامل معرقل للعمل بدل أن يهدف إلى عكس ذلك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى