يقرأ تبارك.. ويسرق مبارك

> سعيد عولقي:

> في المقال السابق عن قاموس الأمثال العدنية في تأليف خان صاحب عبدالله يعقوب خان العدني جربنا الكلام عن مقدمة الطبعة الأولى ثم عن الطبعة الثانية، وكما أشرنا كانت الأولى في 1933 والثانية في 1958.. ويبقى لنا في الكتاب أو القاموس كلمة بعنوان (تمهيد) للمؤلف ثم ندخل عالم الأمثال العدنية التي أوردها حسب الأولوية في الحروف الأبجدية، ووضع لكل مثل رقما، فبلغت 894 مثلا، هي الأمثال العدنية، ثم وضع في نهاية الكتاب عنوانا سماه (الأمثال الجبلية) وعددها 24 مثلا.. وبذلك يكون مجموع ما حواه الكتاب 917 مثلا.. والحق أننا كنا نطمع في عدد أكبر من الأمثال.. ولكن هذا الذي سخره الله للمؤلف ولنا، والحمدلله على كل شيء، لأنه كان فاتحة لعدد من الباحثين ليطرقوا هذا الباب الذي فتحه الأستاذ عبدالله يعقوب، ويظل هو الرائد والفاتح الأول له.

في التمهيد يقول المؤلف: «تقول العرب المثل في الكلام كالملح في الطعام» وإنه ليصعب على أن أجد بين الأمم الأخرى أمة لاتصلح كلامها بذلك «الملح»، أما في بلاد العرب فإنه لاتوجد مدينة ولا قرية صغيرة أو كبيرة إلا ولها أمثال عديدة خاصة بها.. وعدن غير مستثناة من ذلك، ولابد أن هذا الذي حدا بالرحالة المعروف (برخاردت) إلى جمع أمثال البدو في سنة 1830».

ويمضي الأستاذ عبدالله: «وعدن لا تخلو من مفكرين أفذاذ.. وإليكم بعض أمثلة تدل على ذكاء أولئك وحكمتهم.. «جمل يعصر وجمل يأكل العصار»، إن معنى هاته الجملة يبدو جليا في المثل الإنجليزي «واحد يضرب العشب وآخر يمسك الطير»، ويستعمل المثل العربي المذكور في الحالات التي يكسب فيها امرؤ على حساب آخر، بيد أنه مما لا مراء فيه أن هذا المثل نشأ في إحدى معاصر السليط في الشيخ عثمان، حيث يجد المرء هذا المعنى ممثلا في دوران الجمل حول المعصرة وأكل آخر للعصار أثناء ذلك أو بعده.. ثم إن هناك مثلا وهو: «الحجر من الوادي والدم من رأسك». وأقول إن المثل لايحتاج إلى تفسير لأنه يفسر نفسه بنفسه، فمافيش أكثر من الحجارة في عدن البركانية، وأما التطبيق فيعود بعواقبه على مدى إصرار من أراد أن يجرب الوصول إلى أمر ما سهل لايكلف تعبا يذكر سوى صاحبه. وفي هذين المثلين دلالة على منشئي الأمثال الذين منهم (سرفانتس) القائل: «إن الأمثال جمل قصيرة أخرجتها التجارب»، أو هي كما يقول الألمان «مثلما تكن البلاد تكن الأمثال».

ويبدو أن قيمة (التمهيد) في كتاب الأستاذ عبدالله يعقوب سحبتنا معه وأخذت علينا ما كنا نريد أن نتناوله بالتفصيل والشرح لأمثال أخرى كثيرة لاتقل قيمة عن النموذجين الواردين هنا.. لكن طبيعة الكتابة هكذا جعلت المنقول عنه يتغلب ويفرض نفسه علينا.. وعلى ما يقول المثل (71) «اسكتي يا شنطريف يا مطر الخريف»، أو (82) «اصبري ياصنجا وناصفك في السماء».

ويشير علينا المؤلف أن من يفتح أذنه جيدا ويأخذ على نفسه مشقة ملاحظة وتدوين كل الأمثال التي تمر به في يومه مما يقرأ في الجرايد وما يسمعه في المقهاية ومع زملاء العمل ولدى السهر في الأندية وفي السوق داخل دكان العطار أو القصاب أو في كوخ العامل الجلف الجاهل من وقت الإفطار حتى وقت النوم. وإني على يقين من أنه سيدهش جدا من كثرة استعمال الناس للأمثال في كلامهم، وأن عرب عدن وخصوصا الأميين منهم يستعملون الأمثال بكثرة عظمى وسهولة زائدة وبداهة متناهية حتى أنه يصعب على المتعلم فهم مغزى كلامهم.. وعندي أن الامثال في الكلام كالدهن في العجلة وأن العربي لايقدر أن يتكلم بدون أن يدهن كلامه بأمثال مناسبة. (يونيه 1933 - عبدالله يعقوب خان العدني).

وأخيرا كنت محتارا في المفاضلة بين الأمثال وأيهما أحسن من الآخر حتى أني فكرت بالمقاربة بين كثير مما ورد في الكتاب وما يشابهه ويقاربه، بس هذي شغلة طويلة وعويلة، وقد طالت عليا واتطاولت فقلت خلي القلم يجري له على ما يصنف: (1) ابرد يامرق لما يجيك اللحوح، (888) يقرأ تبارك ويسرق مبارك، (891) يلعب بالثعبان ويقول دودة، (882) اليد الطويلة حيرها على الجدار القصير، (747) يابرمة ما دخلك بين الدسوت، (868) يامتزوج من الشارع كان عمك الجبل، (720) لا هيجة كملت ولا حطاب استغنى، (809) لاترمي الخسع يظهر على ثيابك، (748) من مالك إلى هالك إلى قباض الأرواح، (752) من يشاء أم الصبيان يتمسك بضروعه، (601) ما أكله الكبش ينزل في السبلة، (590) ليلة العيد تظهر من العشي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى