عدن.. العشق البحر والألمـ!

> بلال غلام حسين:

> كم وكم من أصناف البشر زاروا، ولدوا، تربوا وعاشوا في كنف عدن وحضنها الدافئ. كم وكم من الناس، كتاب، عشاق ومحبين تغنوا، وكتبوا الأشعار عن عدن.

نحن الجيل الثالث من أبناء عدن وعشاقها الذين ولدوا وتربوا في حواريها وعشقوا هذه المدينة بمعنى الكلمة، ونتذكر تلك الأيام كطيف جميل مر بنا ونحن نعيش في كنفها. ولازلنا رغم الكثير من المآسي والأحزان التي نراها كل يوم، من خراب وتشويه لهذه المدينة التي باتت حزينة وتملأ الدموع مقلتيها، رغم كل ما حصل لها، لكننا لازلنا ننظر إليها ونراها في أعيننا من أجمل المدن، إي وربي نعشقها، وهي تعيش في وجداننا، عدن هي البحر الذي يلفظ كل ما لايريده من أعماقه. نعلم علم اليقين أن كل ما نشاهده من خراب وتشويه سوف يزول آجلا أم عاجلا بإذن الله، ولن يبقى فيها إلا كل جميل بديع.

أكتب عن عدن مدينتي وأنا أتقطع حزنا لما أراه أمامي كل يوم وألمسه من ظواهر سلبية كثيرة في جميع نواحي الحياة، صور أشاهدها دائما أمامي وفي كل يوم وأنا أرى آبائي وأجدادي من المتقاعدين يفترشون الطريق بكل ذل وهم ينتظرون استلام معاشهم بعد أن قدموا جليل الخدمات لهذا البلد، استشيط غضبا وأنا أرى أبنائي وإخواني من طلاب المدارس وهم لايذهبون إلى المدارس ليتعلموا إنما لتمضية الأوقات ومعاكسة الفتيات إلا من رحم ربي، أرى أطفالنا وهم يركبون الباصات ككومة لحم في أعدادٍ تفوق عدد مقاعدها ولايبالي بهم أحد إذا حصل لهم مكروه من حوادث الطريق، أرى وأسمع عن الشرخ الحاصل في جدار صرحنا التعليمي، بعد أن كان يشهد له القاصي والداني، وكانت عدن بحق منارة علم تخرج منها الكثير من أساتذتنا، أرى الدمار الحاصل في خدماتنا الطبية التي كانت من أفضل الخدمات، وكان أطباؤنا من أنبل ما يمكن، ولكن اليوم ترون بأم أعينكم ماذا حصل ويحصل لمستشفياتنا. كيف لا أحزن وأنا أرى بحارنا قد غصت بأكوام من الحجارة وملئت شواطئها بأكشاك الشيشة بعد أن كانت المقتصد الوحيد لأبنائها وعوائلها. أرى الوجوه الشاحبة من خلال أشعة الشمس الكالحة المحرقة في وجوه أناس هم أعز من سكنوا في هذه المدينة، ولكن كدر لقمة العيش وصعوبات الحياة جعلت منهم أحياء دون روح، أسمع الآهات والصراخ من أجل لقمة العيش الشريفة التي صارت نادرة في زمننا هذا ومن أجلها مد الناس أيديهم إلى الحرام والرشوة، وحقد الناس وحسدهم على بعضهم البعض.

صار الذل والهوان سمة من سمات الحياة في هذه المدينة بعد أن مدت يدها واحتضنت كل أصناف البشر غير آبهة لما سيفعلون بها، أنظر إلى أم جائعة عزيزة تمد يدها من مسجد إلى مسجد لإطعام أولادها لقمة ممزوجة بالذل بعد أن كانت عفيفة ملكة في بيتها. أسمع الأصوات المزعجة من أبواق السيارات، ولا مبالاة السائقين بإشارات المرور ولا بأرواح البشر المارين في شوارع مدينتنا، أرى وأسمع وأشاهد المعاملات غير الأخلاقية في كل ركن من أركان جسم هذه المدينة وفي دوائرها الحكومية، وحين تشتكي يقولون لك ابتسم أنت في اليمن، وكأن اليمن هي برميل زبالة نرمي فيها كل قذر ونتن، أرى الحزن في وجوه أطفالنا وهم لايجدون مكانا أو حديقة يلعبون فيها، يكتنزني الحزن وأنا أرى شبابنا وليس لديهم ما يعملون غير مضغ القات على نواصي الحواري، أرى أهلنا وهم ينظرون إلى الأسماك بنظرة حزن وهم لايستطيعون شراءه، لأن ثمنه صار أغلى من اللحوم وأخذه غيرنا بالدولار بعد أن كانت الأسماك غذاءً للفقير. أرى أهلي وهم يكابدون الحر ولايشغلون مكيفاتهم إلا لفترة وجيزة، لأنهم لايستطيعون دفع فواتير الكهرباء بينما غيرهم ينعم بالنسيم العليل.

كم هي الأوجاع والأحزان التي تلف حول جسد عدن وأهلها، الكل يشتكي، الكل يئن، ولكن لاحياة لمن تنادي، نعم لأن الشكوى لغير الله مذلة. أسأل كل صاحب مال ونفوذ وأسأل كل مسئول عن حياة المواطنين البسطاء، كيف يهنأ لك عيش وغيرك يعيش في كدر ونكد، كيف يطيب لك طعام وغيرك لايجد كسرة خبز يأكلها.

كيف تنعم بجو عليل وغيرك يفترش الأرض في شمس حارقة.. كيف.. وكيف..!! وتستمر الحياة، ورغم ذلك نرى بصيصا من الأمل بين هذا الظلام الدامس، ولكم في الحياة العبر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى