معا نحو إعلان عدن محمية تاريخية

> د.هشام محسن السقاف:

> ليس في الأمر ترف زائد أو أننا في فسحة من الوقت قررنا إشغالها بالترويج لعدن وإعلانها محمية تاريخية، لكننا بالمقابل على يقين بأحقية هذا المكان الذي نحظى بشرف الانتماء إليه أن يكون جديرا وبكامل الآهلية الشرعية والتاريخية لهذا الاستحقاق الإنساني الذي تتسابق إليه الدول متى ما توفر لمدنها مقومات الحضارة والبنيان التاريخي من معالم وآثار.

إن أمرا عظيما كبيرا وسامقا أن نصل إلى حماية مدينة من المدن العتيقة الفريدة والساحرة كعدن التي تشرق الشمس عليها من كل الجهات، والتي وإن نامت في حضن بركان فهي تعبير إنساني يتجاوز الجغرافيا والتاريخ، ولايخرج عنهما، بمدى مقدرة الإنسان عليها بالفعل والعطاء الموثق في أسفار التاريخ والديانات والنقوش التي لاتمحى.. هي إرادة إذا أن نصل بعملنا هذا إلى مشارف الاستحقاق الذي يتمناه ثغر اليمن منا جميعا، وسوف نتمثل مارتن هايدغر في عمله (الإحساس بالمكان) من مفهوم أننا «لانستطيع أن نفكر في البشر من دون التفكير فيهم بوصفهم جزءا لايتجزأ من العالم»، وأن ندافع كما سيمون Seamon بالتركيز على «الانغمار الذي لا مفر منه في العالم الجغرافي، وذلك بالتركيز على كيفية ارتباط الناس بالعالم القريب»، وعالمنا القريب هي معالم وآثار عدن التي ليست بحاجة للتذكير، وأن العبث والتخريب والطمس علامة على انحلال الدولة، ناهيك عن كونها جريمة لاتنتهي بالتقادم.. وأما المقدرة الفريدة على خلق ناشئة معرفية وثقافية تستوعب التاريخ والجغرافيا، فهي حصيلتنا المكتنزة في صدور وعقول المواطنين والمنظمات المدنية والحقوقية العاملة وجعلنا- جمعيا- في مساق واحد يغطي فضاء المطالبة بعدن محمية إلى إتيان براهين الفعل على تحقيق ما نطالب به.

لقد أثار يريخت «العملاق موضوع علاقة المبدع بمجتمعه، في قصيدة تلخص على نحو بديع، صلة الأديب بالواقع الاجتماعي، وكأنه يضع معلما من المعالم الرئيسة التي يجب أن يهتدي بها الناقد والعالم المهتم بدراسة الصلة بين المبدع والمجتمع..». (د.عبدالستار إبراهيم، الحكمة الضائعة، عالم المعرفة، أبريل 2002). تقول بعض أبيات القصيدة:

«الحكمة ترى أن ينسى المرء رغائبه

بدلا من أن يعمل على تحقيقها

غير أنني لا أقدر على شيء من هذا

حقا إنني أعيش في زمان أسود

***

أتيت هذه المدن في زمن الفوضى

وكان الجوع في كل مكان

أتيت بين الناس في زمن الثورة

فثرت معهم

وهكذا انقضى عمري

الذي قدر لي على هذه الأرض

طعامي أكلته بين المعارك

نمت بين القتلة والسفاحين

أحببت في غير اهتمام

تأملت الطبيعة ضيق الصدر

وهكذا انقضى عمري

الذي قدر لي على هذه الأرض

***

الطرقات على أيامي كانت تؤدي

إلى المستنقعات

كلماتي كادت تسلمني للمشنقة

كنت عاجز الحيلة

غير أني كنت أقض مضاجع التسلط

أو هذا على الأقل ما كانت أطمع فيه

وهكذا أنقضى عمري

الذي قدر لي على هذه الأرض

***

القدرة كانت محدودة

الهدف بدا بعيدا

كان واضحا على كل حال، غير أني ما استطعت

أن أدركه

وهكذا انقضى عمري

الذي قدر لي على هذه الأرض..». (بريخت)

القصيدة تفجر السؤال الأزلي عن إتيان الفعل الإنساني دون تردد بعيدا عن حسابات الخوف، باعتبار أن الشأن والهدف يذهبان عمقا في متون الحاضر والمستقبل بالاعتماد على معطيات الماضي التاريخي.

وحين لايكتمل عملنا الإنساني الكبير بمقدرات متواضعة فحسبنا تحريك المياه الآسنة، وفتح فجوة في جدران الصمت ليصل الصوت- صوتنا أو صوت من يأتي بعدنا- إلى أذن الجوزاء.

إذا هي دعوة للكل المواطنين وأعضاء المجالس المحلية، الأخ المحافظ د.عدنان الجفري ومدراء الإدارات المدنية والأمنية وقادة الشرط والجمعيات الأهلية والمنظمات الحقوقية والمنتديات والتجار والمستثمرين وأساتذة الجامعات والطلاب والمدرسين في المراحل المختلفة والكتاب والأدباء والصحافيين والمثقفين إجمالا.. ليس في عدن وحدها وإنما في عموم وطننا الحبيب للتفاعل والتشارك والمشاركة والعمل معا من أجل إعلان عدن محمية تاريخية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى