كــركــر جـمـل

> عبده حسين أحمد:

> لم يكن أحد يستطيع أن يتحدث بجرأة وشجاعة عن مشاكل وقضايا بلادنا.. ماذا لها وماذا عليها؟.. مثل الأستاذ عمر الجاوي (رحمه الله). كان الاستماع إليه فائدة عظيمة.. فهو يعرف الكثير.. وهو قادر على التوعية والإقناع، وقادر على أن يتكلم وحده ساعات طويلة.. وإذا تكلم جلس الجميع أمامه، وعيونهم وآذانهم وعقولهم قد اتجهت إليه.. فقد كان شخصية ممتعة وجادة إذا تحدث في أي شيء.

> وكان الجاوي رجلا سياسيا وأديبا ومفكرا ومثقفا عظيما.. وكانت تحليلاته السياسية صادقة.. ومن الطبيعي أن يصيب رجل فيما يراه ويتصوره إذا كان على هذا القدر العظيم من الفهم والإدراك والعمق السياسي.. وكان الجاوي شديد الاقتناع عظيم الامتنان إلى كل النتائج التي يصل إليها بالعقل والتحليل والمنطق.. لذلك عرفناه بانتقاداته السياسية الحادة.. فأسلوبه مباشر وعباراته أجرأ وأعنف.. ولأن الحياة العامة في بلادنا صعبة جدا.. والأحداث فيها أصعب أكثر.. فمن هذا كله تولدت عند الجاوي الأفكار العظيمة والمثل العليا في السياسة والثقافة والأخلاق.

> ولذلك كان الجاوي يرى أن النقد السياسي ضروري في مثل هذه الظروف القاسية.. وأن النقد يجب أن يشتد في مراحل الضعف والوهن السياسي والإفلاس الأخلاقي.. وهذا الذي يفعله بشجاعة نادرة.. فلم يكن من رجال السياسة الذين يميلون إلى السلبية في تصرفاتهم وأقوالهم.. وإنما كان يتقدم الجميع ويتجاوزهم إلى العمل الإيجابي.. وينتقل إلى مراتب الزعماء والمفكرين والمصلحين الاجتماعيين.. ومع ذلك كان رجلا مهذبا ورقيقا ومتميزا في صوته وشكله وحركته وأسلوبه وكلامه.. وكان قمة في تاريخه النضالي والسياسي.

> كان من عادة الأستاذ عمر الجاوي إذا حضر مؤتمرا أو ندوة سياسية مع رجال الأحزاب أو المسئولين أن يتابع كل ما يقال باهتمام شديد.. ولابد أن يربط بين الظروف السياسية التي كانت تمر بها البلاد والسلوك الغريب للسلطة.. فهو لايرضى عنها ولايعفيها من مسئوليتها في مواجهة هذه الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وكان ذلك دليلا عمليا على مدى استنكاره واستهجانه للأساليب التي تمارسها السلطة.

> وكان الجاوي يقول: «في ظل الفساد لايمكن أن تكون للمواطن حرية ولا كرامة.. ولم يعد عند أحد أمل.. فلا أحد يلوم أحدا على أي شيء.. لأنه ليس حرا ولا كريما.. فقد أصبح فجأة وكأنه لاشيء».

> كان يدين هذه المواقف السلبية عند أي أحد من الناس.. ويقول: «إن كل إنسان قادر على فعل شيء.. فلا يوجد إنسان عاجز عن فعل شيء.. أن ينتفض مثلا، وأن يدافع عن حريته وكرامته ووجوده.. فالذي لا حرية له لا وجود له».. فهو رجل واضح.. ورجل منطق.. ورجل عنده قضية واضحة ومحددة.. ولايقبل الأساليب الملتوية في الكذب والمعارضة الزائفة والمقاومة بالاحتيال.

> ومن المؤكد أن الجاوي قد أمضى حياته كلها يشرح رؤيته في الحياة ونظريته في السياسة بوضوح وقوة الحجة.. وعندما أراد أن يكون له مذهب سياسي.. اختار أن يكون له حزب سياسي.. هو حزب التجمع الوحدوي اليمني.. ورحل الجاوي عن هذه الدنيا.. ولكن (القضية) التي عاش وكافح من أجلها لم تمت.. ظلت مستعرة في أعماقه.. لا تركها ولا عدل عنها إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة.

> رحم الله عمر الجاوي رحمة الأبرار!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى