سيادة الرئيس.. دروس وعبر حرب 1994 تكفينا لمعارضة هيئة بهكذا أهداف ومهمات

> محمد قاسم نعمان:

> وأنا أقرأ وأتابع أخبار وتعليقات وكتابات حول ما يتعلق بإنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى تطبيق (الحسبة)!!.. وأنا أتابع ذلك تذكرت مباشرة تلك الخطوات والدعوات والمشاريع التي ظهرت لنا بعد الوحدة، واشتدت واتسعت مع بروز أزمة ما قبل حرب 1994 وخلالها.. وكيف عمل أعداء الوحدة والديمقراطية- بمشروعها الوطني والديمقراطي والإنساني الهادف إلى بناء الدولة اليمنية الموحدة الحديثة- بكل جهدهم وإمكاناتهم ونفوذهم من أجل توسيع الأزمة وتوظيفها، والتي برزت- كأمر طبيعي- بين شريكي الوحدة (المؤتمر الشعبي والاشتراكي)، موظفين ديننا الإسلامي الحنيف- وكل ما يمكن توظيفه بكل إمكانيات أطرافها- لصالح تنفيذ مخططاتهم وأهدافهم.. وكانت حرب 1994 ثمرة تلك التوظيفات والجهود وتعبيرا عن تلك الأهداف التي سعى أولئك من أجل تحقيقها.

وأنا أتابع اليوم إثارة قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى ضرورة تشكيل هيئة لها، والعمل على تطبيق (الحسبة)، تذكرت تلك الوقائع والأحداث والأفعال التي تم- مع الأسف- استيعاب أهدافها ومضامينها بوضوح وعمق أكبر بعد اندلاع حرب 1994 المأساوية التي لاتزال آثارها تنخر حتى اليوم جسم الوطن وجسد الإنسان ووحدته وطموحاته، حتى أن من كانوا وراء تعميق وتوسيع فجوة الخلاف بين الطرفين وأسهموا في إلهاب الحرب، تركوا آخرين يتحملون نتائجها.

وأنا أتابع اليوم التحركات النشطة لبعض ممن يقفون مع تشكيل هذه الهيئة برزت في مخيلتي فاجعة كبيرة محتملة- لاسمح الله - كما برزت معها أسئلة كثيرة.

صحيح أننا ضد المنكرات- بل ضد كل صور المنكرات، وكل المسلمين رجالا ونساءً معنيون بالدعوة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- استنادا للآية الكريمة: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر». (التوبة - 71).

لكن بالمقابل لابد من وضع المفاهيم والأولويات، ونحدد بالتالي الأسلوب والوسائل التي يمكن بها تحقيق هذه الإرشادات والتوجيهات القرآنية بما يتلائم والواقع الموضوعي ومسار التطور الإنساني والحضاري الذي يستوعبه ديننا الإسلامي الحنيف كدين حضارة وتقدم، وبالذات ما يتعلق بالدولة ومكوناتها ومسئولياتها.

لذلك نقول إن هناك أولويات هي أحق أولا بالمواجهة والنهي عنها.. المنكرات الأكثر ضررا وإيلاما للناس وللمجتمع وللحياة.. منكرات تمس الناس جميعا وتقلق حياتهم وأمنهم ومستقبلهم، وتسلب حقوقهم وحقوق أبنائهم.. وهي المتمثلة بدرجة رئيسية بالفساد الذي يتسبب في سرقة المال العام والثروة ومخصصات التنمية، ويتسبب في انتهاك حقوق الإنسان لأغراض خاصة وضيقة، ويتسبب في توسيع معاناة الناس.. يحرمهم من حياتهم الكريمة التي كرم الله الإنسان بها.. من المعيشة الكريمة واللائقة بحياة الإنسان.. من حماية الصحة والعافية التي وهبها الله للإنسان.. في أمن الإنسان واستقراره.. إلخ.

أليست هذه المنكرات أشد إيلاما للناس وللمجتمع وللحياة الإنسانية، ويجب الوقوف أمامها وتغييرها.

أليست صور الانتهاكات التي يتعرض لها الناس في حرمانهم من توفير لقمة العيش الكريم من خلال حرمانهم من العمل ومن الحياة الآمنة، ومن توفير الدواء والعلاج والتعليم المناسب منكرات أشد فتكا وإيلاما للناس، ومواجهتها هي الأكثر إلحاحا، وهو مطلب ديني ووطني وإنساني.. أليس المساس بحقوق الإنسان- الذي كرمه الله وجعله خليفة له في الأرض- وحرياته العامة وأمنه واستقراره هو الأخطر والأشد إيلاما للناس؟!.

هؤلاء الذين يدعون إلى تشكيل هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يركزون فقط ويستهدفون جانبا واحدا من المنكرات دون غيرها الكثير والأشد خطرا وإيلاما ومعاناة للناس والحياة.

ثم لماذا يريد هؤلاء الذين يدعون إلى تشكيل هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- مع احترامنا وتقديرنا الشخصي لهم ولمكانتهم- أن يكونوا وسطاء في حق متاح ومناط بكل المسلمين رجالا ونساءً لقوله تعالى: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» (التوبة - 71).

ومع تقديسنا لهذا التوجيه القرآني إلا أنه عند استيعابنا لمسار التطور الإنساني والحضاري والتحديثي، مع تأكيدنا هنا على أن ديننا الإسلامي هو دين التطور والتحديث، فإن هذا التكليف وهذه المهمة أصبحت اليوم- مع نشوء الدولة- مناطة بولي الأمر، وولي الأمر في مفهوم الدولة الحديثة هو الحكومة ومؤسساتها القانونية المختلفة المعنية بتطبيق هذه الدعوة والإرشاد الديني الذي لايرتبط بناحية من نواحي حياتنا، لكنه يرتبط بكل ما يتعلق بحياة الإنسان وأمنه واستقراره وحياته .. إلخ.

ثم وأنا أتابع الدعوة إلى تطبيق (الحسبة) في الإسلام، برزت في ذاكرتي مباشرة تلك الفترة التي ظهرت فيها هذه الدعوة في مصر، وكان من نتائجها اغتيال المفكر الإسلامي (فؤاد فودة)، وغيرها من الأعمال التي مست حقوق الإنسان بالانتهاك المباشر لحقوق الأدباء والكتاب والصحفيين والممثلين السياسيين.. إلخ.

حتى في بلادنا اليمن، تذكرت حادث اغتيال المفكر والقائد السياسي الشهيد جار الله عمر، الذي ذهب ضحية هذه المفاهيم الخاطئة في معرفة وتطبيق مبادئ وتوجيهات ديننا الإسلامي الحنيف، من خلال بعض الآيات الكريمة:

«إنك لاتهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء».

«ليس عليك هداهم، ولكن الله يهدي من يشاء». (البقرة - 272)

«لايكلف الله نفسا إلا وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت». (البقرة282-)

«من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها». (الإسراء - 15)

«ما على الرسول إلا البلاغ، والله يعلم ما تبدون وما تكتمون». (المائدة - 99)

«ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعا، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» (يونس - 99)

«أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين» (النمل - 125)

«إن ربك هو أعلم بمن يضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين». (الأنعام - 117)

«ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء، ولتسألن عما كنتم تعملون». صدق الله العظيم.

إننا مع تقديرنا وتقديسنا لمضامين هذه التوجيهات والإرشادات الدينية.. إلا أننا نرفض توظيفها لأغراض سياسية وحزبية لن تجرنا إلا إلى الفتنة، كما حصل لنا في حرب 1994 التي لازلنا نعاني من آثارها وويلاتها وآلامها.

إننا في حاجة إلى تعزيز مكونات ومقومات بناء الدولة الحديثة.. دولة المواطنة والنظام والقانون الذي يتحمل مسئولية جميع السكان، ويحمي حقوقهم ويصون كرامتهم ويواجه كل منكرات تمس حقوقهم وأمنهم ومعيشتهم وكرامتهم وإنسانيتهم.

إن دروس وعبر قبل وبعد حرب 1994 لايجب أن تغيب عن بالنا، وبالذات عن بال حكامنا ومسئولينا في الحكم والمعارضة والمجتمع.

وعلينا أن نحذر ممن يحاولون الاصطياد في المياه العكرة من أجل تحقيق أغراض ذاتية ومصالح آنية وضيقة وأهداف تدخل بعضها في إطار المنكرات التي يجب مواجهتها والعمل على فضحها وإفشالها.

وندعو بل ونناشد مشاركة علماء الدين المستنيرين في أفكارهم وآرائهم وتعاملاتهم، والمثقفين والصحفيين والكتاب والسياسيين والحزبيين في أن يعبروا عن مواقفهم وآرائهم، ليأمروا بالمعروف وينهون عن المنكر بتوعية الناس والمجتمع دون المساس بالحقوق والحريات ودون الخوض في أعراض الناس وحياتهم الخاصة التي كفلها ديننا الإسلامي، وأكد على احترامها بقوله تعالى «ولاتدخلوا البيوت إلا من أبوابها». الدستور والقانون، ومناط بالدولة ومؤسساتها مسئولية التعامل مع الناس والمجتمع في القضايا المرتبطة بالحقوق والواجبات استنادا إلى الدستور والقوانين والتشريعات النافذة ومبادئ حقوق الإنسان الملزمة للجميع.

إن إثارة موضوع تشكيل مثل هذه الهيئة وبهكذا أهداف ومهمات يستدعي منا التنبه، ويثير لدينا الشكوك من الأهداف الحقيقية لمن يقفون وراءها، وبالذات في هذا الظرف والتوقيت، لاسيما أننا نواجه العديد من المشكلات الكبيرة، كل واحدة منها تشكل مدخلا لأزمة وطنية.

لدينا مشكلة حرب صعدة التي تتواصل لأربع سنوات، وهناك من يغذيها ويوسع مداها.

ولدينا مشكلات تتعلق بآثار حرب 1994 على المحافظات الجنوبية والشرقية خاصة، وآثارها على السلم الاجتماعي، ولدينا مشكلات تتعلق بأوضاعنا الاقتصادية وحياة الناس المعيشية بسبب ارتفاع الأسعار التي تضاعف مشكلات ومعاناة الناس، وطمع بعض التجار ومحتكري السلع الرئيسية، ولدينا مشكلات أمن الناس ومواجهة التطرف والإرهاب.

ولدينا مشكلات اتساع البطالة والفقر وما يمثلانه من خطورة على المجتمع وأمنه واستقراره.

ولدينا مشكلات كثيرة حاضرة تحتاج إلى معالجات برؤية ومسئولية وطنية يشترك فيها الجميع.. ولسنا في حاجة إلى خلق مشكلات جديدة لن تكوّن سوى مخاطر وصعوبات تثير الفتن وتعمق المشكلات وتوسع المعاناة والانتهاكات لحقوق الناس، وتوصل إلى إقرار مبدأ أن يشترك الجميع في وضع الحلول وتحمل المسئوليات لضمان حماية السلم الاجتماعي والسير بالبلاد نحو المستقبل الأفضل الذي سيدخلنا التاريخ.

ولنا- كما سبقت الإشارة- في حرب 1994 وآثارها ونتائجها أبلغ الدروس والعبر.. والله من وراء القصد.

رئيس تحرير صحيفة «التحديث»

رئيس مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى