هامش يتآكل

> محمد عبدالله الموس:

> لانستطيع أن ننكر أن حدثا بحجم 22 مايو 1990 الذي رفع فيه علم الوحدة في عدن الوحدة كان حدثا فريدا، لم تشهد له اليمن مثيلا في تاريخها، كما لانستطيع أن ننكر أن هذا الحدث كان بداية الممارسة الديمقراطية والتعددية السياسية التي كانت غائبة عن شطري الوطن قبل ذلكم التاريخ، ونجزم بأن قمة هذا النفس الديمقراطي التعددي كان جليا في انتخابات البرلمان في 1993 التي كانت تنافسية بهامش ديمقراطي واسع، رغم عدم خلوها من الطبخات الجديدة على ديمقراطية تتشكل.

في المقابل لايستطيع أحد أن ينكر أن هناك تراجعا كبيرا شهده هذا الهامش عقب الانتصار بطعم الهزيمة (كما يقول معلقو الكرة) في عام 1994 الذي عاد فيه الوطن إلى المربع الأول (حزب واحد.. فكر واحد.. لون واحد)، وعاد مفهوم (الحزب هو الدولة والدولة هي الحزب)، وتلكم هي الشمولية التي نشتمها صباح مساء رغم ترسخها في مفاصل النظام، ووصلت إلى عقال الحارات (لجان الدفاع الشعبي) في الجنوب سابقا.

خلال الفترة منذ العام 1994 برزت إلى السطح التهمة الكارثية الجديدة (الانفصالية) التي صارت شعارا يرفع في مواجهة كل من ينفذ الممارسات والسلوكيات الشمولية والاستبدادية التي وصلت حد التمييز في المواطنة مع ما ترافق معها من استئثار ونهب للممتلكات العامة والخاصة، أقرت به لجان حكومية، وعبر الناس عن رفضهم له في حركة الاحتجاجات التي شهدتها العديد من محافظات الجمهورية، ولم تنحصر في محافظات الجنوب فقط.

ردة الفعل العنيفة في مواجهة الحراك السلمي لم تكن مبررة، فبدلا من التعامل معه بوصفه بالتعبير السلمي في إطار الممارسات الديمقراطية، تم الانطلاق من كونه حركة معادية، أو هكذا أراد البعض تصويره، وفعل وتصنيف كهذا يخلق جروحا جديدة بدلا من معالجة ما هو قائم فعلا.

واقع الحال أن القتل والسجن والمحاكمات وكل صور الإسكات لاتحل المشكلة، ما لم يتم التعامل مع الأسباب التي دفعت بالناس إلى الصراخ سلميا، فالخلل سيعبر عن نفسه شئنا أم أبينا بصور متعددة، ثم ماذا بقي من هامش ديمقراطي إذا كان لايتسع لتعبير سلمي في تجمع اعتصام وصوت فنان وقلم كاتب؟!.

الهامش الديمقراطي يتآكل، ونخشى أن يأتي اليوم الذي لاتكون فيه الديمقراطية إلا مجرد مصطلح رسمي للتسويق الخارجي أو واحدة من المفاخر التي نتغنى بها اليوم، ولانتأمل كيف اندثرت، من سد مأرب ضحية الفأر، إلى عرش بلقيس ضحية الهدهد، حد وصف الشاعر:

إذا لم يساعدك الزمان فحارب

ولاتحتقر كيدا ضعيفا فربما

فقد هد قدما عرش بلقيس هدهد

وباعد إذا لم تستفد بالأقارب

تموت الأفاعي من سموم العقارب

وهدم فأر قبله سد مأرب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى