أرني حذاءك أقول لك من أنت

> عصام محمد المقبلي:

> قال الشاعر: بالله جولي وارقصي... وتفردسي وتكردسي.. وتدلكشي وتبركشي... وتشربشي بالقندسي

يعود تاريخ هذه الأبيات إلى قبل 600 عام تقريبا.. ومعنى (الدلكس) أو(الدلكش) الحذاء، أما (تبركشي) فمعناها تزيني.. والمعنى تزيني بالحذاء، ويطلق على الأحذية قديما (الشراميز)، وتسمى أيضا (النعال) و(الجزم)، وفي مصر يمسونها (الصرمة).

والنعل: ما وقيت به القدم من الأرض، جاء في المروج «.. ثم رأيت صورة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على جمل وأصحابه محدقون به وفي أرجلهم نعال عربية من جلود الإبل» المروج 144/1.

وعُرف عن الأحذية الحكايات والروايات والقصص، ومنهم من قال فيها شعرا في الماضي والحاضر.. وحذاء الرجل أو المرأة انعكاس لشخصه وذوقه وأناقته، ومنهم من قال إن أول ما تنظر إليه المرأة في الرجل حذاءه، لأنها ترى فيه شخصه.

وقرأت ذات مرة أن الأديب (هـ.ج. ولز) كان مكتبه تحت الأرض، وللمكتب نوافذ يرى من خلالها الناس، ويرى أحذيتهم فقط، ويعرف أقدار الناس من نوع أحذيتهم التي يرتدونها (أنيقة - جديدة - قديمة)، ويميز شخص الإنسان ومكانته من خلال حذائه.

ومن الممكن أن تعرف الوضع الاقتصادي للإنسان أو البلد كاملا من خلال أحذية الناس التي يرتدونها، وكلنا سمع حكاية سيدة الفلبين الأولى (إيميلدا ماركوس) زوجة الرئيس الفلبيني السابق إذ كان لها ألف حذاء وصندل.

وقبل أيام وأنا أقلب البوم العائلة عثرت على صورة قديمة لأهلي وأجدادي، منها صورة لوالدي تعود للخمسينات أو الستينات ببزة أنيقة وحذاء جميل، وكان حينها يعمل مدرسا مع الإنجليز.

وقيل لي إن جدي عبدالرحمن نصر جميل الدين الشاذلي في ثلاثينات القرن الماضي- أي قبل ثمانين عاما- حين يمر في حارة حسين في كريتر متوجها لعمله في الميناء (ميناء عدن)، وكان بحارا، الكل ينظر لبزته وحذائه لشدة لمعان حذائه وأناقته.. حتى أنه قبل عام 1911، عرفت أن أحد أجدادي ويدعى الحاج أحمد صالح بن صالح كان يملك خيولا وعربات خيول وجمال في كريتر، وكان ميسور الحال، وكان يمر فوق عربة الخيل وهو يرتدي حذاءً جميلا (انظر صحيفة «الأيام» 13 ديسمبر 2007 عدد 5272) مقالة الأستاذ فاروق لقمان عن مذكرات والده، وذكره للحاج أحمد صالح إنه عاش في (بحبوحة)، تيقنت أن الأقدمين عرفوا أن أحذيتهم وملابسهم جزء من شخصيتهم و(الجزمة) أو (الحذاء) قد تكون سببا للمكافأة أو العقاب والتعاسة، وبالذات في المؤسسات العسكرية والأمنية الانضباطية، والعقوبة قد تصل للحجز لمن لم يهتم بجزمته.

ما دفعني لكتابة هذا الموضوع صورة انطبعت في مخيلتي حين كنت بمعية صديقي عمر بن حليس، ونحن نتابع موضوعا يخصه في أحد المرافق الخدمية واستخلاص بعض المعاملات، فقابلنا أحد مسئولي المرفق- رئيس قسم- ولكنه يجيد حل كل المعاملات لكونه على علاقة حميمة بالمدير الفلاني وأمين سره، وكان منكوش الشعر وله رأسين- رأسه وكرشه- وفي عينيه قسوة نابعة من عدم نوم وإرهاق يرتدي (جزمة) محملة بأطنان الأتربة، حينها تشاءمت وقلت لصاحبي مشكلتك ليس لها حل- مع أن حلها سهل- فهذا المسئول يريد حلا لنفسه، فكيف سيجد لنا حلا للمشكلة.

وفعلا وبمنتهى البلادة عرقل المعاملة، وإلى الآن لم نعرف السبب، بل أحسست أنه على خلاف شخصي مع صديقي، فدعوت الله أن يصبح حذاؤه مصدر تعاسة له، كما حصل للملك نمرود وحكايته مع سيدنا إبراهيم عليه السلام، حين أصر على الكفر مرة ومرتين وثلاث، فأرسل الله له جيشا من الحشرات والبعوض، دخلت إحداها منخر النمرود واستقرت في رأسه أربعمائة عام، وكان علاجه أن يضرب رأسه مرات عدة في اليوم بالحذاء الذي أصبح مصدر تعاسة له.

لقد صدقت زوجة العمدة في الريف الإيطالي حين عاكسها جارها من (البلكونة) فقالت له: «أرني حذاءك أقول لك من أنت!». أدعو بالرحمة لأهلي وأجدادي الذين عرفوا كيف يلبسون الجزمة!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى