بروم جزيرة عجيبة على البر

> علي سالم اليزيدي:

> «بروم هذا الميناء الشهير، الذي تلتجئ إليه البواخر التي لا تستطيع أن تعبر ممرات المكلا والشحر أثناء فترة الرياح الموسمية الجنوبية الغربية فترسو هنا، يحميها رأس بروم»، هكذا كتب الكونيل فان درميولين قنصل هولندا في جدة بعد رحلة إلى حضرموت عام 1931م، بصحبة العالم الجغرافي الألماني د. فون فيسمان عن بروم التي زارها، وقال أيضا: «بروم بها بضع مئات من السكان وكانت لها أيام أفضل، هناك قصر السلطان الأبيض ويعطيها المسجد الأبيض ومنازلها الحجرية البيضاء مظهرا جذابا تشاهدها عن بعد، وتقوم بساتين النخيل ومزارع الذرة بين البلدة وحائط الجبل، ومن القمة الصخرية بقايا قلعة وبعض المدافع الصدئة».

بروم هي بوابة الساحل الحضرمي الغربي، حيث مرت منها وتوقفت أمامها أحداث، وعايشها التاريخ، إذ كتب عنها الرحالة الأغريقي (بطليموس)، ودون مكانها وحركة الميناء بها، ووصف ساحل الدحس البرومي وتدفق السفن والتجارة في هذا المكان في ذلك الزمن.وذكر بعض الباحثين والمؤرخين أن «الفارس اليمني سيف بن ذي يزن الحميري اختارها إلى جانب المكلا كمرفأ مناسب لسفنه»، وذكر الشيخ عبدالله الناخبي، أنه «ساق إلى بروم النساء والصبيان الصغار والأسرى من الأحباش، وأنه زارها عند قدومه عبر الساحل الحضرمي وتوزع جنوده حولها، ولاتزال حوافر الخيول محفورة في بعض صخور الجبال المحيطة بها».

ومن حضورها القديم إلى العصر اللاحق ظلت تحافظ على موقعها ومينائها ووجودها، إذ يرقد بها قبر الشيخ قطب الدين مزاحم بن أحمد بامزاحم الحضرمي من أهل بروم، الذي كان يتردد إلى مدينة زبيد للقاء الشيخ إسماعيل الجبرتي، وقد اكتسب ضريحه شهرة في منطقة الشقين، وهو فج بارز كان بوابة دخول من وإلى بروم وشرقها، وكان الكابتن (هنس) الذي احتل عدن فيما بعد، وأثناء بحثه عن محطة بحرية تؤمن خط الهند إذ عرج على قشن والمكلا وبروم، ولقي عنادا من قبائل مرتفعات بروم، ثم عزف عنها بعدئذ، ومن مقادمتها المقدم عمر بن يسلم الشماسي وآل الشماسي رجال شجعان سكنوا بروم، ومنهم القائد العسكري بالجيش البدوي الحضرمي المجيد، ثم جيش اليمن الجنوبي سالم الشماسي والدبلوماسي بعدئذ ولاعب مؤسس لنادي شعب حضرموت في الستينيات، وكذلك خبير شؤون النفط والمحاسبة د. سعيد سليمان الشماسي.

بروم احتضنها البحر ومن هذه العلاقة ازدهرت، وأطلق عليها العاصمة الصغيرة، إذ كانت عاصمة دولة القعيطي أثناء النزاع الكسادي القعيطي نهاية وبداية القرن الماضي، ومنها دخل القعيطي المكلا بعد إمارة النقيب للكسادي، وبعد الشحر وبقيت مرفأ ومركز إداري، وبها مجلس قروي منذ عام 1939، ترأسه بالانتخاب حسين بن حسين الموسطي، ومكتب جمارك حيوي شغله عمر خان، وحكم بها القائم عبدالخالق الماس الحبشي، وكذا الماس عمر الحبشي جد سالم أحمد الحبشي، موظف المستشارية والبريد فيما بعد.

وأبرز سكان بروم الحضرمية هم آل بامزاحم الكرام وآل باجبار وعلي باسفالي وعلي بامحسون وآل بركات، ومنهم الكاتب ومراسل (فتاة الجزيرة) و«الأيام» في الخمسينيات الأستاذ الراحل محمد بركات وأولاده زكي بركات وفريد بركات، وهناك الدكتور عمر عبدالله بامحسون مؤسس الصندوق الخيري لدعم الطلاب الحضارم ومشرف (شعاع الأمل) التي صدرت من جمعية بروم قبل سنوات، ومن أشهر أماكنها ومصايدها رأس بروم أو رأس الكلب والدحس والشقين وغيظة باجبار وظلومة آل باحمران وحلة، وقالوا السوق سوق حله، ويقصدها السواح والأهالي لصيد السمك والتمتع بالشواطئ وليالي القمر المشرقات، ومن أسماكها المري والمعاسف والزرية والقالو والخواضر السمينة والروابع البيضاء اللذيذة.

إنها بروم تعود إلينا بإعادة الاعتبار لها كميناء لحضرموت وكل المنطقة الساحلية الجنوبية، وثغر اليمن، وهو ما أنعش الأفئدة وعاد بالسرور العام لمدينة عشقها البحر وأسكنها في جوفه ومنحها السكينة والسلام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى