ليست مجرد عنوان

> جلال عبده محسن:

> على الرغم من حلم اليمنيين منذ عقود من الزمن وحماسهم، فقد رفع شعار الوحدة اليمنية من قبل الشرفاء من الوحدويين نحو تحقيق الوحدة وغايتها.. بأهدافها النبيلة ومعانيها السامية التي كان يفترض أن تكون بمثابة الثورة على عوامل التأخر والتخلف ودعوة إلى الارتقاء فوق جملة من المعوقات التي كانت سائدة بين الشطرين والاحتفاظ بما هو إيجابي بل وتطويره ليشعر المواطن بحقيقة مضمون الوحدة.. وحدة قوية تتحطم عليها كل سلبيات التشطير وتسمو فيها كل معاني الحب والنزاهة وقوة الحق. ولقد كان لي شرف العمل وبقية زملائي في وزارة الدولة لشؤون الوحدة اليمنية (للشطر الجنوبي من الوطن) حينها، وسنحت الفرصة للمشاركة مع تلك الوفود الرسمية والشعبية التي كانت تجوب المحافظات اليمنية المختلفة في الفترة التي سبقت تحقيق الوحدة في الـ22 من مايو 1990م.. لقد كانت الفرحة مرتسمة على الوجوه والبسمة تملأ الشفاه، مودعة حقبة من الزمن بحلوها ومرها، بأفراحها وأحزانها على أمل بأن يكون الغد أفضل مما كان، لكن تلك الفرحة لم تدم طويلا حتى تعكرت بسلسلة الاغتيالات والتصفيات وبدت في الأفق تلوح بوادر أزمة حقيقية تم تجاوزها بوثيقة العهد والاتفاق التي مثلث وثيقة الإجماع الوطني، حتى تبعتها تلك الحرب في 94م بفلسفتها وإفرازاتها السالبة التي أشعرت المنتصر بنشوة النصر وأوجدت الجرح في نفوس الطرف الآخر، الأمر الذي ولد الشطحات لدى البعض تجلت في كثير من الممارسات والتصرفات التي أساءت للوحدة وهي نتاج ما يعانيه الوطن اليوم من الضعف والوهن ومصنفين من وجهة نظر الآخرين من خلال التقارير التي لا ترى فيها إلا تراجعاً مستمراً في تقييماتها، ووجدنا أنفسنا غارقين بمشاكل لا حصر لها بفعل السياسات الخاطئة التي كثيراً ما توصلنا إلى كوارث، علاوة على استشراء الفساد وعدم تفعيل سلطة النظام والقانون وغيرها الكثير من صور الفساد الاجتماعي أدت إلى خلخلة في البناء الاجتماعي للبلاد وكانت سبباً في الانحراف عن مسار الوحدة الصحيح بفعل السياسات الخاطئة في معالجة الأوضاع، عجزت قدرات النظام السياسي والاجتماعي عن التعاطي الجيد معها على اعتبار أن المشكلات الاجتماعية والاقتصادية أساسها سياسي في المقام الأول، في حين أن كثيرا منها كنا حتى عهد قريب نفتخر بها ونراهن على أن تكون اليوم أكثر تطوراً وازدهاراً لا أن تتبدد وينقلب حالها وتحل محلها صورة مغايرة عادت بنا إلى نقطة الصفر.

إن من حق الوحدة علينا بأن تكون اليمن في مكانة رائدة ومتميزة ونموذجا خاصا يحتذى به ومحط إعجاب من الجميع، وإن الأصوات التي تنادي بإصلاح مسار الوحدة وبإصلاح شامل للنظام السياسي والتداول السلمي للسلطة ومحاربة الفساد والفقر والقضاء على البطالة وإصلاح أحوال القضاء وترسيخ دعائم النظام والقانون .. باعتقادي هي أصوات لا خوف منها وهم بالفعل دعاة وحدة تنادي من خلال تلك القضايا التي لا تقل أهمية عن قيام الوحدة ذاتها.. فالوحدة ليست مجرد عنوان، ومع ذلك إن من يتكلم اليوم عن الوحدة وإصلاح مسارها يجد نفسه متهماً وبأنه من المرجفين الذين يحاولون النيل من الوحدة ومن السيادة الوطنية وغيرها من التهم الجاهزة كالتآمر والخيانة وغيرها من المغالطات، يوهمون بها الغير بأن ما يصدر منهم ماهي إلا فقاعات من حفنة من الغوغائيين الذين لا هم لهم إلا زرع الفتن والقلاقل وإن كان هؤلاء ممن ينشدون الخير والصلاح لأوطانهم.

بينما مسؤولون كثر في الساحة السياسية يملأون الدنيا ضجيجاً عن وحدويتهم المزعومة، وأفعالهم وسلوكياتهم غير وحدوية ولا وطنية بل مكرسة للتمييز والانفصال ومصادرة حق الآخرين والوحدة منهم براء، ومع ذلك لا خطر على الوحدة من نظرهم ، مع أن التاريخ سيكون أول الجاهزين بوثائقه لكي يشهد ضدهم.

إن الوحدة لا تستطيع الوصول إلى أهدافها السامية والنبيلة التي قامت من أجلها ما لم تحدث تغييراً في الإنسان من حيث سلوكه وأفكاره ونمط حياته، فالحلم لا يزال أغنى من الواقع، والأصل أكثر ثراء من الصورة وعلينا أن نتأمل في الأسباب والمسببات، وأن نقارن بين الآمال الكبيرة التي كانت وما آلت إليه أمورنا، وأن نسأل لماذا؟ إن كانت هناك مصداقية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى