النيات المبيتة

> طه حسين بافضل:

> التنوع في أقوال الناس واتجاهاتهم أمر طبيعي وبديهي وسنة جارية بين بني البشر على مر العصور والأزمان، والعبرة بسلامة المقصد ووضوح الهدف، كما أن وجود الأحزاب السياسية والتجمعات الحركية في البلاد العربية والإسلامية حتمية اقتضتها ابتعاد الناس عن الخلافة الواحدة التي تدير شؤونهم بعقلية الشورى والجمعية في اتخاذ القرارات المصيرية للأمة، وحماية بيضتها من أن ينتهك حماها عدو غادر ومتربص فاجر فيحمل إليها الويلات والنكبات.

إلا أن هذا التنوع بين هذه الحزبيات ليس من المنطقي والطبيعي أن يتعامل أفراده بمنطق النيات المبيتة، فهذا الحزب يبيت لذلك الحزب العداوة والحماقة، فهو يترصد ويتصيد أخطاءه ويعظمها حتى تصبح مثل الجبال، بل أعظم، وهكذا يفعل الآخر فيبيت له ما لايرضى من القول والفعل، فيدور الجميع في حلقة مفرغة من النيات التي تبيت في جنح الظلام، ثم تؤجج نارها جهات أخرى تدخل حلبة الصراع، إذ يسوؤها أن ترى هؤلاء يتنافسون لنهضة البلاد وإصلاح أحوال العباد.

والواجب الذي تحتمه مصداقية الأفعال والأقوال أن يكون الهدف الأسمى لكل تجمع أو حزب هو السعي والاجتهاد في نفع الشعب والجمهور ليخرج من هذه التجربة وقد حقق حزبه لأمته وشعبه الأمن والاستقرار والرخاء، وصار الناس أكثر قربا من السكينة والطمأنينة، فالقيم النبيلة والمبادئ السامية هي التي سادت في زمنه والعدل ورد الحقوق إلى أهلها سمة بارزة في أيام حكمه التي لن تكون نقية من الأخطاء والزلات، فمستقل من ذلك ومستكثر بحسب قرب من يقود المسيرة من الشرع الحكيم والعقل السليم الحليم.

كثرت الدعاوى والمعارضات وتتابعت الحجج والمناقضات، كل يدعي وصلا بليلى، وكل يترصد للآخر، وكل منهمك في الرد والتعليق على الأفعال والمشاريع، وقد يصدق فيما يقول مع مبالغة في الطرح والنقد قد تصل إلى أن يهدم ما بناه الآخر من أصله بعيدا عن الإنصاف والعدل في الحكم الذي أمرت به الشرائع السماوية وانتهجته العقول الحكيمة، فيرفع هذا عقيرته أنه جذيلها المحكك وعذيقها المرجب وكريمها المبجل وعالمها المهذب، أنه الوحيد الذي يريد الخير للناس.

أما الآخرون فيريدون بهم شرا وتخلفا وفقرا، وهنا تتجلى نيات سيئة ومآرب دنيئة وحظوظ خبيثة تتجه بالعملية السياسية برمتها إلى باب مسدود وسعي مردود.

متى يفهم الجميع أن المجال مجال منافسة وليس إقصاء، وأن الميدان ميدان تكامل وليس إلغاء، وأن الحياة لاتكتمل إلا بوجودي ووجودك ووجود غيرنا، وكل ينفق مما عنده، وتبقى النتائج شواهد لصحة المقدمات أو كذبها، وأن مما يؤسف له أن أقواما جهلوا أن قيمة الإنسان ووزنه إنما يكون بقدر سعيه وعمله، فإن كان إنجازا وإبداعا ورفعة لوطنه وشعبه كان أحرى أن يطبع له في القلوب محبة تلقائية ورغبة للحديث عنه مدحا وتزكية وتذكرا دون ضغط أو تهديد أو نفاق.

إشكاليات العمل السياسي في الوطن اليمني في وجهه المتعددة ومناخاته المختلفة أنه ابتلي بفئات من علية القوم وأوساطهم وحتى أصحاب المقاعد الخلفية- إلا من رحم الله، وقليل ما هم- ليس همهم إلا كيف يتمكن من الاستحواذ لنفسه وذريته على قدر لابأس به من الترف، ولو كان من طريق خبيث وعمل دنيء يتخطى وهو في سيره حقوق الآخرين وممتلكاتهم، تدفعه دفعا إلى اقتراف ذلك نيات مبيتة ومساع يتلقاها من صور ملطخة بالتفاهات والمحقرات البعيدة عن النزاهة والشهامة والفتوة، وليت هؤلاء أجادوا وأبدعوا في خدمة وطنهم مقابل ما ينهبونه من مقدرات وإمكانات، ولكنها الأنانية بعينها.

مرت باليمن مراحل طويلة من النضال والكفاح وسطرت على كتاب تاريخه صفحات من البهاء والجمال والإنجازات وصفحات أخرى من الآهات والأنات والنكبات، حري بالجميع اليوم أن يتجرد في أقواله وأفعاله، وأن يسعى لمواصلة كتابة التاريخ بأحرف من نور وسطور من المكاسب والسرور، ليبقى اليمن كما سماه الآخرون سعيدا، وليس ذلك ببعيد على أصحاب الضمائر الحية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى