باتقع.. سهالة ياعوض

> محمد باجنيد:

> حينما عاد (كرامة) الذي قارب عمره التسعين عاما إلى ماليزيا، حيث يقيم هناك منذ خمسة وستين عاما قادما من حضرموت في أعقاب زيارة إلى مسقط رأسه استمرت ثلاثة أشهر التقاه أحفاده في مطار (كوالا لمبور) الأنيق، ومن كرم الصدف أن منفذ المطار الجميل شركة عملاقة مالكها من أصول حضرمية مهاجرة.

في المطار الآسيوي لم يكن الحديث بين الشيخ الوقور (كرامة) وحفيده غير حضرموت.. كانت حاضرة في ذكريات الرجل المسن وقلبه وعقله وحاضره في خيال وأحلام وآمال الجيل الثالث من المهاجرين الحضارمة الذين يمثلهم الحفيد الأول الشاب (عوض) .. وكان هذا الحوار في السيارة وهم في طريقهم إلى المنزل :

عوض: كيف البلاد (يقصد حضرموت)؟

كرامة: في 17 ألف نعمة.

عوض: اذكر واحدة من هذه النعم.

كرامة: كثير .. كثير والحمدلله .. (أقول أيش وأخلي أيش) يابني لا أدري من أين أبدأ .. من كثرة النعم والحمدلله .. مثلا الوحدة تحققت.

عوض: الوحدة عمرها 18 عاما ولا يمكن الحديث عنها كمنجز بعد هذا العمر، فهي قائمة -ولاخوف عليها-. وفي رد استباقي قال عوض- الذي تلقى تعليمه في جامعة أكسفورد البريطانية، وحصل على عدة دورات في مجال تخصصه (الهندسة الصناعية) في اليابان وكندا وسويسرا: لاتقل لي أن الذي لاماضي له بلا حاضر، ولاتذكرني بأصل العرب وبسيف بن ذيزن وميناء عدن ومحمد جمعة خان.. حدثني عن الحاضر كي نقرأ المستقبل.

زار عوض اليمن قبل أقل من ثلاثة أعوام وشاهد مدينة المكلا التي لايمكن مقارنتها بمدن عصرية أخرى رآها، المكلا مختلفة ومتخلفة أيضا في كل شيء عن مدن شاهدها!! لذلك بحث عن أجوبة محددة ينظر من خلالها إلى المستقبل، ولما لم يجد إجابات مباشرة على أسئلته أدار الحوار مع (جده) بطريقة مختلفة.

عوض: هل مازال موظفو الإدارات الحكومية غير منضبطين في الحضور والانصراف؟.

كرامة: غالبية المكاتب ضيقة وصغيرة وعدد الموظفين كبير لهذا يحضر بعضهم بعد التاسعة صباحا إلى مكاتبهم ويغادرونها قبل الواحدة بعد الظهر.

عوض: وهل يمكن أن تنمو بلد من البلدان لايلتزم موظفو الدولة فيها بساعات العمل؟.

كرامة: يجتمعون- جزاهم الله خيرا- بعد العصر يوميا لساعات طويلة، ويتحدثون عن العمل من أجل الوطن والمواطن لدرجة أنهم يدفعون ثمن القات من جيوبهم.

عوض: لماذا لاتطرح الدولة ميناء المكلا في مناقصة عامة؟.

كرامة: الحكومة تدرس حاليا المفاضلة بين موقعي (بروم) و(ضبة)، وهذا يحتاج إلى كثير من الوقت، والمثل يقول في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، ونحن نقول: (الراضة زينة). ولا يوجد سبب للعجلة، فميناء عدن وميناء الحديدة يخدمان البلاد كلها في الوقت الراهن.

عوض: وهل تحدث تقدم في المجال الصحي؟.

كرامة: الحمدلله صحة الناس طيبة، ولايحتاجون للمستشفيات بفضل الله تعالى، لأنهم يسيرون على (أقدامهم) كثيرا.

عوض: هل حدث تقدم في التعليم؟ وهل جرى تشجير المساحات غير المبنية في جامعة حضرموت؟ وهل نجحت الجامعة في توفير مواصلات للطلاب من (منطقة فلك) إلى سكنهم أو إلى وسط المدن القريبة من الجامعة؟.

كرامة: لا، ولكن لا أعلم هل هذا من مسئولية مجلس الأمناء الذين تبرعوا بالكثير لجامعة حضرموت ولم يشأ مدير الجامعة أن (يثقل) عليهم بالطلبات أم أن ذلك من مسئولية وزارة التعليم العالي؟.

عوض: والنظافة في المكلا والحيوانات الضالة ..

كرامة مقاطعا: المكلا نظيفة، أما الكلاب الضالة فقد تدربت على الحراسة في أماكن تواجدها لكن عضتها تؤدي إلى القبر.

حاول كرامة أن يتظاهر بالنوم في السيارة خوفا من أسئلة جديدة لن يجد لها جوابا، وكان يفتح عينيه بين الحين والآخر، ويشاهد السيارات الفارهة والقطارات على جانبي الطريق الطويل إلى المدينة، ويتذكر المكلا والسيارة القديمة التي حملته إلى مطارها والسائق المتذمر من غلاء المعيشة وأزمة الديزل وارتفاع أسعار الكهرباء، ومعاناة ابنه الذي تخرج من الجامعة دون أن يجد وظيفة حتى حارس في مدرسة، أو في شركة بترولية، وحال ابنته التي اقترب موعد زفافها، ولايعلم كيف يوفر لها احتياجات الزواج، فحدث نفسه قائلا : لماذا لاتتطور اليمن مثل ماليزيا؟.

وعندما فتح عينيه نظر إلى حفيده قائلا: باتقع سهالة ياعوض.

لم يكن بمقدور كرامة أن ينسى مسقط رأسه على الإطلاق، وتذكر آخر كلمات سمعها في شريط (الشبواني) كان قد استمع في التاكسي وهو في طريقه إلى مطار المكلا:

صحنا من الديباس لي

في النخل

جاء نحنا الجراد!!

ثم نظر إلى حفدته وتساءل بينه وبين نفسه: هل ستكون صادقا ولوقلت لهم عودوا إلى اليمن وطنكم الأم وتمتعوا بالـ(17 ألف) نعمة !!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى