ملكة الانتماء الثقافي حصن لايهدم

> صالح هيثم فرج:

> يقول الناقد الأدبي الروسي (بيلينسكي): «تعمل العادات الشعبية على تزيين وجه الأمة، وبدونها تكون الأمة كوجه بلا ملامح»، كذلك الكاتب الصيني (لاوشي) فقد اشتملت كتاباته على فيض زاخر من العادات الشعبية في بكين، وكان من أهم أعماله روايته: (أربعة أجيال تحت سقف واحد) التي خصص مساحة كبيرة لانطباعاته عن العادات وأنماط السلوك في بكين القديمة عندما سقطت المدينة في أيدي اليابانيين. وقد كتبت الرواية تحت وطأة إحساس مرهف بالحنين إلى الوطن، حيث كان المؤلف يعيش بعيدا عن بلاده. فقد جاءت على شكل رسوم شعبية، وشكلت تناقضا حادا بين التطلع الطامح إلى العيش بحرية ووطن ينعم بها،وبين خضوع بكين للاحتلال الياباني، فقد أورد (لاوشي) عبارة يقول فيها: «لقد تخلى أهل بكين عن كل شيء بسبب السلب والنهب والتدمير الذي قام به اليابانيون، ولم يعد باستطاعتهم أن يعيشوا حياتهم بطرائقهم الخاصة». ويصف خريف بكين بأنه «جنة على الأرض» وأنه أكد بطريقة ما حقيقة أن «المهن والحرف التقليدية ضعفت في ظل الاحتلال الياباني»، وأن «المدينة كلها كانت في حالة ركود»، لأن هدف (لاوشي) من تعبيره عن أسفه وحزنه للحالة التي آلت إليها الأمور يكمن في أن يحث الناس على «احتمال الإهانة دون نسيان الانتقام».

تمكن (لاوشي) من خلال مثل هذه الذكريات إيضاح كيف أن أهل بكين كانوا يقاومون الغزو الياباني على نحو عفوي، بالرغم من أنها كانت احتمالات غير منظمة، مستخدمين الوعي الوطني سلاحا، فكلما وجد السكان البسطاء الطيبون أنفسهم في ظروف معاكسة مناوئة لميلهم الحيوي جعلتهم عاطلين عن العمل جياعا، يتهددهم خطر اقتيادهم عبيدا لقوة الاحتلال. فلأنهم مروا بتجربة تتطلع - بوعي قوي أولا وعي - نحو ثقافتهم المستقلة التقليدية، أو نحو عاداتهم واحتفالاتهم.

من هنا فإن الأمم تكشف عن قوى تماسكها وقوة مشاعرها الوطنية بالانتماء عندما تداهمنا المصائب، وهذه القوى لايمكن للغرباء أن يقهروها. يضرب لنا التاريخ الإنساني أمثلة كثيرة كذلك، ونستطيع أيضا أن نرى لماذا ذهب (لاوشي) إلى مدى بعيد حين خلق صورة متصلة لحياة بكين قبل وأثناء الاحتلال، فلاشك أنه وأمثاله يعملون على إيقاظ الوعي الوطني الشعبي من التربية الوطنية، ويخدم في تربية ورفع الروح الوطنية، وإعلاء شأن الهوية، وتكفي الحصيف العبرة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى