بعوضة

> محمد سالم قطن:

> يأتي النوم، كعادته معي كل ليلة، متسللاً في خفية وعلى استحياء. لكنه لا يلبث حين ينتصف الليل، أن يتخلى عن حيائه ويغادر تمنعه، فينسدل في مغناطيسية رهيبة على الأجفاف فيطبقها وعلى المشاعر والأحاسيس فيغلقها. ألا ما أروع النوم وما أبدع كيمياءه.

وأقسى ما يواجه المرء، وهو يتهيأ للنوم، شيء ما يعيق استرساله في سبات هنئ. أي شيء مهما صغر، حتى ولو كان بعوضة!

فكيف لو كان هذا الشيء أسراباً متتابعة من البعوض!! وهذا هو ما حدث معي في إحدى الليالي، حتى استعصى عليَّ النوم، فرحت في دوامة استذكار لكل ما درسته قديماً وما قرأته حديثاً عن البعوض! وعن عوالم الحشرات، وكيف تحدّت هذه الكائنات الصغيرة الضعيفة كل فرضيات التطور ونظرياته، ونجحت في معارك الصراع من أجل البقاء، وكيف أفشلت على ضآلتها فرضية البقاء للأصلح بينما انهار العمالقة كالديناصورات وأشباهها لتنقرض من عوالم الأحياء ودنيا الوجود، وكيف تواصل صمودها في عصرنا الحاضر لتكتسب المناعة تلو الأخرى ضد المبيدات بمختلف أصنافها.

هذه البعوضة الضئيلة الحجم، لها مائة عين في رأسها، ولها في فمها 48 سناً ولها ست سكاكين في خرطومها وثلاثة أجنحة في كل طرف.

وللبعوض جهاز حراري يعمل بنظام شبيه بنظام الأشعة تحت الحمراء يعكس لها لون الجلد البشرى في الظلمة إلى لون بنفسجي حتى تراه. وهي مزودة بجهاز تخدير موضعي يساعدها على غرز إبرتها دون أن يحس الإنسان، وما يحس به كالقرصة إنما هو نتيجة لمص الدم، وهي مزودة بجهاز تحليل دم، فهي لا تستسيغ كل الدماء، وهي مزودة بجهاز لتمييع الدم حتى يسري في خرطومها الدقيق جداً كما أنها مزودة بجهاز للشم، تستطيع من خلاله شم رائحة عرق الإنسان من مسافة تصل إلى 60 كيلومتراً ..سبحان الله الخالق:

يا من يرى مد البعوض جناحها

في ظلمة الليل البهيم الأليل

ويرى مناط عروقها في نحرها

والمخ في تلك العظام النُحَّل

أمنُنْ عليَّ بتوبة تمحو بها

ما كان مني في الزمان الأول

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى