وطن الإدمان والاحتضار

> أنور سعيد الحوثري:

> يمرجحنا الحديث تلو الحديث في مطويات القول الذي لاينتهي، ونخجل من هذه الدوامة التي نلوك فيها الإحساس السارح في التكرار والانتظار والظمأ، ونلعق لحظة التبكيت بمرارات الفراغ في مطالعة نتائج الجهد الناتج عن حركة اللسان في القول باتجاه كل المقاصد.

إنه العقم الذي نطويه مثل حسيرة النهار بعد يوم جنائزي مهيب، نتصفح رؤاه ومداه بالنميمة والخطيئة الملقاة على عواهن الطريق مثل ركام الحجر المنسي من مخلفات البناء، ويعزف حولها الموكب موسيقى بعدد خطوات القدم التي نجرجرها على طريق البطالة وخيبات الأمل الحانق على مصير الأمنيات المبعثرة في الفضاء.

أعوام أعوام، تمضي دون حراك في الجثة التي غدت هامدة إلا من بعض الأنفاس التي تجعل الميلاد ميلادا لايفضي إلى الوفاة الرسمية بإمضاء الكفن وحزن الأقارب وذرف الدموع على الفقيد الذي رحل في عنفوان الشباب. مشاعر كثيرة تنتابنا، تبعث فينا الفلسفة وتقليب أوراق الشجون وأحاسيس أقرب إلى نسج الخيال، تسرقنا من نومنا بين أحضان العائلة الكريمة الصابرة البارة بتعاليم الرحمن عز وجل، فيتمرغ الوجدان بين أوحال القلق مستعينا بالصبر والصلاة تارة وبالاندماج في مشاوير الجموع والشموع التي تغني للوطن المسافر في الغياب.

إن الآلام العربية التي تجمعنا على طاولة التعاسة في يومياتنا الفارغة من العزم والرؤية السليمة هي الآلام التي تقلل من فرص أجيالنا القادمة في نيل أسباب العزة وكرامة الحياة، فماذا فعلنا نحوهم ليقرأوا التاريخ المرصع بالنجوم بدلا عن برامج الأطفال والإقبال المجاني على الموبقات والمكسرات في شراب الشارع العام.

ماذا فعلنا لنعض بالنواجذ على أطراف البقايا في الهوية الأصيلة التي كانت تحفظ الود بين الناس، وترعاهم في سبيل التضحيات للآخر بدلا عن هذه الماديات التي صارت تسيطر على زوايا التفكير من الطرف إلى الطرف، وكأننا في ركب البهائم سائرون، لم تعد الحياة عند السواد الأعظم إلا إشباعا لرغبات الجسد، فنترهل على قارعة الطريق بثياب نظن أنها تجملنا وتعطينا صكوك المرور إلى حيث يخطمنا السجان والجلاد والاستعمار الجديد.

نحن بعد كل هذا التاريخ الطويل مثل دمية تتقاذفها الأنواء والأهواء، نحشوها بحشوة الإدمان ونتسرب مع الأعذار إلى ما يجعل الظهيرة بابا للخروج من نقاء السريرة في كنف الديار التي نتبرم من المكوث بين جدرانها هربا من تقصير يلاحقنا في ضمير لايزال قابلا للإصلاح، وينوء الكاهل بالتعب فنعود في عشية الأطيار إلى عش نستشعره عند المساء دافئا جميلا، نلملم فيه أشتاتنا ونشعل في حناياه الفتيل، ونسمر على الأشجان إلى ما بعد النشرة الخاصة بآخر الأنباء.

هكذا صارت الأحداث وأحوال الطقس والناس مصدرا للتبرم والصبر المتشح بالتجاهل لفظاعة ما يجري في أرض الإسلام والمسلمين من فواجع تدمى لها القلوب وتتكالب من حولها الكروب، ولكنها مشيئة الرب الكريم!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى