أزمة صعدة أزمة سلطة.. وقضية الجنوب قضية شعب !!

> د. عبيد البري:

> مفهوم الحوار بين الأحزاب كخيار ديمقراطي سلمي في حياة الشعوب المتحضرة هو القاعدة التي يبنى عليها العمل السياسي بمضامينه الوطنية والديمقراطية للتغلب على الاختلافات في الرؤى والأهداف التي تؤثر - بدون شك - في أي مشروع عمل وطني نهضوي لمصلحة الوطن العليا بمشاركة كل فئات الشعب.

لكنه ظهر جليا في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها اليمن أن مفهوم الحوار كان قد أريد له أن يتم على أساس المصالح الحزبية الضيقة وحاجة السلطة إليه، وعلى مدى قرب هذا الحزب أو ذاك من السلطة القائمة، بحيث تملي عليه ثوابتها وأهدافها فقط.

إن إعلان المعارضة تعثر إجراء الحوار مع الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) ووصولها إلى طريق مسدود ليس بسبب أنها تلوح بقضية صعدة وقضية الجنوب فقط، بل لأنها ضعيفة وتابعة ولا تملك مشروعا وطنيا واضحا يتبنى القضايا الحيوية.. فاكتفت بمطالبة الحزب الحاكم بالجلوس للحوار، وما يمكن أن يطرحه للخروج من أزمته.

أزمة صعدة التي بدأت في عام 2004 تخص السلطة وحدها، سواء أكانت صراعا على السلطة أم صراعا على تقاسم كعكة الجنوب التي فتحت الشهية لكل اللصوص من السلطة وعملائها وليس الشرفاء من إخواننا في المحافظات الشمالية.. فإن الخاسر الوحيد هو شعب الجنوب الذي ليس له فيها ناقة ولا جمل، بل أصبح أبناؤه وثرواته وقودا لتلك الحرب المدمرة التي لا أحد يعرف نتائجها.

وبصرف النظر عما يجري في اليمن من سوء استخدام للسلطة أو فساد أو مظاهر تخلف موروثة فإن قضية الجنوب هي قضية شعب خرج إلى الشارع من كل مدينة وقرية ليعبر عن احتجاجه على الوضع الذي انتظر الخلاص منه مدة 14 عاما، فلم يجد أمامه إلا المزيد من البؤس والتهميش ونهب ثرواته، وإلغاء هويته تحت اسم الوحدة (المعمدة بالدم) - كما يردد الحزب الحاكم.. ولذلك فإنها لم تعد قضية للمساومة من قبل أي حزب على الساحة، فقد تبناها أبناء الجنوب من مختلف التنظيمات السياسية والجماهيرية ومجالس تنسيق الفعاليات السياسية في كل محافظات الجنوب!.

لقد كان الأجدر بالمعارضة التذكير بمصير الحوار الحقيقي الذي مثل الإجماع الوطني، وتم الفصل فيه بالتوقيع على (وثيقة العهد والاتفاق) في 1994 بوساطة دولية عربية في عمّان الأردن، وهرب منها من كان عاجزا عن المواجهة ومن كانت لديه النيات المبيتة لتدمير الوطن، استجابة لأطماع واستراتيجيات خارجية لا تريد لليمن خيرا.. وهذا ما كانت قد التزمت به حكومة صنعاء بعد انتصارها على قيادة الحزب الاشتراكي الجنوبيين، حيث أشارت الحكومة في رسالتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 1994/7/7 فقرة (ج): «تأكيد التزامها الثابت بالنهج الديمقراطي، والتعددية السياسية، وحرية الرأي والصحافة، واحترام حقوق الإنسان».. وفي الفقرة (د): «اعترافها مواصلة الحوار الوطني في ظل الشرعية الدستورية، والتزامها بما جاء في وثيقة العهد والاتفاق كأساس لبدء الدولة اليمنية الحديثة».

وكان قد أبدى مجلس الأمن الدولي اهتماما بالغا بقضية الحرب على الجنوب الذي أضر السكان والبنية التحتية في عدن خاصة، وأصدر قرارين أثناء الحرب، الأول في 1994/6/1 برقم (924)، والثاني في 1994/6/30 برقم (931).. حيث جاء في القرار الأخير فقرة (5):«يؤكد (المجلس) على أن الخلافات السياسية لا يمكن حلها باستخدام القوة، ويأسف بعمق لفشل كل المعنيين لاستئناف حوارهم السياسي، ويحثهم على استئنافه فورا وبدون شروط بما يسمح بحل سلمي لخلافاتهم واستعادة السلام والاستقرار، ويرجو من الأمين العام ومندوبه الخاص فحص السبل الملائمة لتسهيل هذه الغايات».. فقرة (8) : «يقر المجلس إبقاء المسألة قيد النظر الفعلي».

وأشار البيان الصحفي الصادر عن الدورة (51) للمجلس الوزاري لدول الخليج في 5-4 يونيو 1994 إلى موقف دول الخليج من الحرب على الجنوب: «وانطلاقا من حقيقة أن الوحدة طلب لأبناء الأمة العربية فقد رحب المجلس بالوحدة اليمنية عند قيامها بتراضي الدولتين المستقلتين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في مايو 1990، وبالتالي فإن بقاءها لا يمكن أن يستمر إلا بتراضي الطرفين، وأمام الواقع المتمثل بأن أحد الطرفين قد أعلن عودته إلى وضعه السابق وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية فإنه لا يمكن للطرفين التعامل في هذا الإطار إلا بالطرق والوسائل السلمية».

إن السلطة تدرك أنها قادرة على تفويت فرصة أي حوار وطني يختلف مع طبيعة بنائها وتوجهاتها وأهدافها، ضمن الأحزاب والقوى السياسية القائمة، ولكنها على ما يبدو لا تدرك الفعل السياسي السلمي الجنوبي الذي اتسعت أفقه واتخذ من الشارع السياسي أصدق تعبير عن التمسك بمطالب ومصالح شعب فقد دولته!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى