شيء من وخز الضمير!

> قاسم عفيف المحامي:

> كان الأستاذان القديران الدكتور محمد عبدالملك المتوكل والدكتور أبوبكر السقاف، في منتهى الصدق والصراحة حين قالا قولهما الشهير بعد تشخيصهما الدقيق لواقع وهموم الوطن «إن المتعلمين جزء من الأزمة».

وفي هذا الحيز المحدود نسلط الضوء المحدود أيضا على أهم وأخطر قضية ذات علاقة بما ذهب إليه الأستاذان الجليلان، وذلك من حيث المعنى الاتعاضي، تلك هي قضية منظومة المناهج التعليمية للمرحلة الأساسية.

فالمعلوم أن المناهج التعليمية للمرحلة الأساسية تمثل القاعدة المادية التي يقف عليها التلاميذ للانطلاق نحو المشوار التعليمي الطويل نحو المستقبل الآمن، بل هي الأعمدة الراسخة والثابتة التي باستطاعتها حمل المراحل التعليمية اللاحقة، أو هي البوصلة التي تهدي التلاميذ إلى الطريق للوصول إلى بر الأمان.

ولأنها كذلك، فإن المهمة الجسيمة والمسئولية الكبيرة تقع بالدرجة الأولى على عاتق المهندسين التربويين- المعدين والمخرجين لتلك المناهج- بما يتوجب عليهم الأخذ بعين الاعتبار بجملة من الشروط والمعطيات والمقومات والظروف التي من بينها: مستوى التلاميذ قبل دخولهم إلى المدارس، العوامل المرتبطة بالأسرة والمجتمع من حيث الكثافة الإنجابية والظروف الاقتصادية والسكنية والمستوى الدراسي للآباء ونسبة الأمية في المجتمع، والقدرات الذهنية الاستيعابية للتلاميذ وكذلك العمر بالنظر إلى أن كل التلاميذ أقل من سن التمييز وأقل من سن الرشد، والأخذ باعتبار الكثافة العددية الصفية التي تتجاوز المائة، وبالتالي تتجاوز قدرات وإمكانيات المعلمين والمعلمات الأفاضل في إيصال المنهاج إلى عقول التلاميذ!.

وكذلك الفصل والربط والتراكم المعرفي حسب السنوات الدراسية بما فيها المعاصرة والمواكبة للمعلومات، والعمل على محدوديتها بما يؤمن عدم الكثافة والحشو، والتداخل والشمول بحيث تكون مناهج صفية وليست مرحلية أو تخصصية.. إلخ.

تلك هي بعض الاجتهادات الفضولية التي ليس لها من مبرر غير واقع وحال مناهجنا التعليمية الراهنة التي للأمانة والصدق لم يراع فيها عند إعدادها الكثير من الشروط الأساسية، مع احترامنا لكل الجهد المبذول فيها، لقد أضحت مناهج عديمة أو محدودة الجدوى بحكم عدم واقعيتها وعدم ملائمتها ومواكبتها بسبب كثافتها وحجمها وأسلوبها وحشوها الزائد وتداخلها وشمولها، بحيث يصير الكتاب المنهاجي بما شمله كتابين أوثلاثة في بعض المواد، وكأن ليس بعده مراحل دراسية، بل كأنه كتاب تخصصي!. وقبل الأوان! وقد غلب على إعداد المناهج ما ليس له لزمة، فكثير منه يصلح فقط في دليل المعلم، وبحسب رأي الكثيرين بأن الكتاب المدرسي صار بحد ذاته مشروعا استثماريا من حيث الكثافة والحجم، وسواء أدرك أم لم يدرك القائمون على إعداد وإخراج المناهج بصورتها الحالية، فإن المنحنى هو تجهيل الأجيال بإرادة أو بدون إرادة، دون أن يكون للمعلمين والمعلمات شأن في هذا المنحنى المخيف!، فهم مع هذا الكم والحجم من الكتب الدراسية ومع الكثافة العددية للتلاميذ في الصف الواحد إنما يقدمون الجهد الممكن المشكور عليه.

إن المسألة التعليمية قضية جوهرية وعلى درجة كبيرة من الأهمية على حاضر ومستقبل الأجيال، وفي ظل التطورات المتسارعة في الثورة العلمية العالمية بما فيها من مؤشرات مفادها أن الشهادة الجامعية - شهادة محو الأمية الأبجدية الثقافية، ناهيك أن نمط الحياة الجديدة يستدعي امتلاك الإنسان لشروط مهاراتية معرفية علمية مواكبة ومعاصرة وعملية، فإذا صارت الشهادة الجامعية على ذلك النحو فأي قيمة لشهادة دونها أو شهادة الإجابات المدفوعة الثمن أو الغش!.

وتلك مع الأسف هي الظاهرة المرعبة والمخيفة، هذا إذا ما أدركنا أن سياسة عدم تكافؤ الفرص التعليمية القائمة اليوم إنما تعني أن الغالبية العظمى من التلاميذ سيكونون بكل تأكيد على قارعة الطريق!، وبالتالي يكون السكوت عن هذه السياسات والمناهج إنما هو خيانة للأمانة، ويكون السعي لإصلاحها هو الواجب الملح، وهنا الدعوة عامة للوقوف عليها ونقدها بالحقائق والأرقام وعبر تسليط الضوء على كل كتاب منهاجي مدرسي لتحريره من الاستثمار أو المنحنى، وجعله كتابا منهاجيا مفيدا يكون القاعدة المادية والعمود والبوصلة، من أجل مساعدة المعلمين والمعلمات على القيام بمسئولياتهم.. ذلك هو براءة الذمة، إن لم يكن من وخز الضمير!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى