عندما يصبح إنقاذ المدينة هلاكا لها

> وليد محمود التميمي :

> مع تسارع وتيرة ضربات المعاول لاقتلاع كتل الأحجار من باطن الأرض، ودوران محركات جرافات الحفر، وتشغيل مكائن شق الطرقات ونحت الجبال وتفتيت الصخر، والاستعانة بأحدث آلات الصب والشفط، إيذانا بتدشين أعمال مشروع ما من المشروعات التي تتبناها الدولة، وتتباهى في وسائل إعلامها بالمبالغ الطائلة التي رصدت لإنجازه، والثمار التي سيجنيها المواطن بعد إخراج هذا المشروع الخدمي أو ذاك إلى حيز الوجود، عادة ما تتعالى الأصوات المطالبة بضرورة إنجاز المشروع المنتظر في الموعد المحدد، والالتزام في تنفيذه بالتصاميم الهندسية والفنية المتفق عليها، مع ضمان صيانته بعد إكماله بشكل دوري منتظم، ومراعاة عدم الأضرار بحياة المواطن أثناء سير العمل في المشروع وتجنب إقلاق السكينة العامة.

هذه الأصوات التي بحت حناجرها وأرهقت من كثرة الصراخ يتم التعامل معها رسميا بأساليب التطنيش والتجاهل وعدم الاكتراث، وسرعان ما تبدأ محاولات إجهاضها بجرعات من حملات المراوغة والتضليل، فور انطلاقة أعمال المشروع الذي يسهم في إشاعة موجات من الإزعاج والضجيج وتعطيل الخدمات العامة للمواطنين.

قائمة المشروعات المنفذة في بلادنا على هذه الشاكلة يطول ذكرها، لكننا سنكتفي في هذه العجالة بإيراد نموذج من نماذجها المعتملة حاليا في مدينة المكلا التي غدت شوارعها الداخلية والخارجية ضحية حفريات مشروع مجاري مدينة المكلا الكبرى المدرج ضمن قائمة المشروعات التي قيل أنها ستعيد للمكلا بريقها الخافت، وستنعش جسدها الخامل الذي تعود على الاغتسال بالدرن، وعلى النقيض منذ ذلك شرعت حفريات المشروع في تفتيت أوصال المدينة، وتضييق الخناق على حركة المرور والمشاة، ومضاعفة حدة الازدحام والتسبب في هلاك البعض من الأطفال والعجزة، وبرزت حوادث تصادم السيارات وتدحرج الدراجات النارية والهوائية. والغريب في أمر حفريات هذا المشروع أنها تغوص في باطن الأرض لمسافات عميقة، وتظل لأشهر طويلة فاتحة ذراعيها لاصطياد ضحاياها من البشر والمركبات، وحتى عمليات الردم (السفري) للحفر لا تعيد الطريق المفروش بالإسفلت إلى سابق عهده، وفي الغالب تنبش مواقع الحفريات من جديد لأكثر من مرة- بلغت في بعضها الخمس مرات في مدة متقاربة- بسبب نسيان تركيب أنابيب الضخ وتثبيت حلقاتها بالبراغي والأبوال.

في أحيان كثيرة تضطر للحديث مع المهندسين الميدانيين القائمين على المشروع، ومن ردودهم تشعر أنه ليست لديهم معرفة بتفاصيل المشروع، والمعنى في بطن المقاول الكبير جدا الواصل جدا، أما المقاولون بالتجزئة والقطعة فهم لا يقدرون حجم المعاناة التي يتسببون بها للمواطنين نتيجة البطء والمماطلة في إنجاز مهامهم اليومية، لسان حالهم يقول أن على المتضرر أن يلجأ إلى السماء، و(اللي مش عاجبه يضرب رأسه بالحيط) أو(يتشرقع الحفر بحذر، وإن وقع لا يصيح ويصبر على الجرح والدماميل)، مع الاعتذار للراحل المحضار! ومن البديهي أن طول فترة بقاء الحفريات على حالها دون أن يحرك أحد ساكنا، إضافة إلى عمقها المهول، يجعلك تشك بأنها على علاقة وطيدة بمراحل التنقيب بحثا عن آثار مفقودة وكنوز مطمورة، أو لانتشال هياكل عظمية لكائنات منقرضة كالديناصورات وغيرها من الزواحف، حتى أن الظن بدأ يراود المواطنين الذين ذهب غالبيتهم للاعتقاد أن الهدف من وراء ذلك إخفاء شيء مافي جوف الأرض، لا يظهر بسهولة مع مرور الوقت ومضي السنيين، كتسرب مياه المجاري من الأنابيب والمواسير الضيقة مثلا، وتأثيرها المباشر على أساسات العمارات والمنازل القائمة، فمنفذو المشروع في نظر المواطن يوارون في هذه الحفر السحيقة سوءتهم الخدماتية، في ظل غياب المساءلة من ذوي الشأن وأهل المعرفة بخفايا المشاريع في محافظة الخير والعطاء حضرموت، فهل يصدق حدس المواطن؟!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى