إرادة التغيير بالديمقراطية

> د. هشام محسن السقاف:

> تتدهور أوضاع الديمقراطية الناشئة بسبب من العقيدة الأيديولوجية والفكرية الجامدة التي لازمت صعود نجم الدولة العربية القطرية، وبحكم العادة أيضا، حيث تتكدس تجربة طويلة من (الأنا) الحاكمة التي تلغي الآخر، وتكون هي ومن بعدي الطوفان.. أما الدافع ضريبة من دم وحرمان وقهر وخوف وتخلف فهي الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج..فما بين الماء والماء أمة مقهورة من حكامها، تحمل الأوزار والأخطاء وتتقلب بين أوجاعها في درجة الغليان كلما حمل لها الأثير البيان رقم (1)، وتعود للمضي من جديد في طريق (سيزيف) المضني غير المفضي إلا إلى أكاذيب جديدة ووعود عرقوبية.

وعندما تدثرت أنظمة شتى بدثار الديمقراطية على مطلع العقد التسعين من القرن الماضي، فإنما تدثرت هي به من باب الاحتراز وخطب ود القوى العالمية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفتاح مصاريع الكون على رؤى العولمة وهيمنة قطب واحد، ومن باب (مضطر أخاك لا بطل) دخلت الديمقراطية دولا كثيرة من النافذة وعلى استحياء لتطرد من الباب، فلازالت الأجهزة ذاتها التي تشربت الشمولية والديكتاتورية- كما أشربت قلوب بني إسرائيل (عبادة العجل) بكفرهم- على عهدها واقفة لاتحيد، بينما الديمقراطية كما يفهمها الجميع تأصيل لقيمها الإنسانية العظيمة في سيرورة الحياة العامة، يتراضى الجميع بقوانينها وحركتها التاريخية الصاعدة، ويحتكم إليها الكل ويتحاكمون، من كان في الحكم أو في خارجه.

ويخطئ من يظن أننا شعوب جبلت على البداوة وطباعها القاسية، ومن ثم لاتتحرك بمرونة أو بمشيئة سلسلة إلا بالقسر والجبر والاتكاء على قوة العادة، فهناك شعوب في مغارب الأرض ومشارقها، ومن داخل أدغال القارة السمراء أخذت نفسها بالسير المُرضي على إشعاع نور الحرية والديمقراطية، وخرجت من كهوف المعاناة إلى العيش الكريم تحت شموس الكرامة الإنسانية بالديمقراطية.

وسنرى جليا أن البلدان التي تقدم رجلا وتؤخر أخرى في سكة قطار الديمقراطية، أو التي تحن وتغني لعهود ماتت «قل للزمان ارجع يا زمان»، وتكشر عن أنيابها على شعوبها كلما رفعت هذه الشعوب صوتها الإنساني المدوي المطالب بالحرية الشاملة، فإنها تعيش- هذه البلدان- خارج عصرها، وتريد أن تفرض قوانين وشعارات (الشرعية) الثورية في مواقيت أخرى وزمن آخر، كما فعل أهل الكهف بورقهم دون دراية منهم أن الزمن قد تحرك ثلاثمائة سنة أو أكثر إلى الأمام، وهم آية من آيات الله سبحانه، عكس هؤلاء الذين يتبؤون مواقعهم ولايريدون أن يغتنموا اللحظة التاريخية المثلى والتحول الاجتماعي الكبير لصالح شعوبهم ومواطنيهم، وينتقلون من شاكلة إلى أخرى ببلدانهم وشعوبهم وأنفسهم، لتأخذ دورة الحياة الإيجابية بالديمقراطية دورتها كاملة، وتنتعش الآمال والطموحات وتنطلق المهارات والإبداعات، وتنكمش فرص الفساد والتخريب، وتعود السكينة والرضا والطمأنية والولاء الكامل للوطن إلى نفوس كل أبناء الوطن، بدلا من هذا الشعور المتنامي بعدم الرضا والقلق والتململ والاحتقان والاحتراب والتمزق شيعا وأفرادا.

ألسنا أحق بالعيش في ظروف أفضل، يعرف كل فرد ما له وما عليه، يشعر بالأمان على نفسه وماله وعرضه، يشعر بالمساواة والمواطنة الكاملة؟!. إننا أحق بذلك، ولسنا أقل من آخرين ينعمون في فيحاء الحرية والديمقراطية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى