حينما يهطل المطر أو تسمع صفارة الحكم

> محمد علي محسن:

> متى ستهدأ الضالع؟ سؤال لطالما سمعته في مناسبات عدة ومن مسئولين وأصدقاء ونحوهم، في كل مرة أجدني أكرر الإجابة ذاتها، وذلك بالقول (عند سقوط المطر ومباريات الكرة) هكذا اعتدت الضالع مذ عقد ونيف على عملي فيها محررا لصحيفة «الأيام»، فلا يوجد في أيام السنة ما هو أهم من مزن السماء وقطر المطر أو ليالي الساحرة كرة القدم وبطولات أوروبا والعالم.

حبيبات الودق تكون عادة دلالة للخير والبهجة، لذلك ربما ينصرف معظم خلق الله لزراعة الأرض وبنفوس هادئة مطمئنة، تجدهم غير عابئين بالحكومة أو المعارضة وحتى المحاكم التي تشح فيها المنازعات والخصومات بمجرد هطول المطر على البلاد والعباد، فيما المستديرة والبساط الأخضر ونجوم البسيطة جميعها كفيلة بأخذ ألباب وأبصار عشاق اللعبة الأولى ولو لحين من الوقت، ففي مثل هذه البطولات العولمية ينسى الناس بطونهم وأوجاعهم، وتحت تأثير أوراق الكيف في ساعات المساء يقضي هؤلاء أجمل اللحظات أمام الشاشة الفضية أو الشاشة الكبرى اليتيمة.

ليت- والله- أيام العام تهمي بماء سكاب يروي النفوس العطشى الملتاعة، ويسقي الجبال المنيفة والسهول اليباب.. ليت يا ناس أشهر السنة مثل شهر كأس العالم أو كأس أوروبا أو حتى الدوري الإسباني.. في حال تحققت الأمنيتان سنقول وداعا للأبد لهذه التظاهرات والاعتصامات ونقاط التفتيش وأطقم النجدة، بل وستختفي الاحتجاجات المناهضة للقتل والقمع والغلاء والإقصاء للجنوب وأهله.

ما أروع السحابة إذا ما جادت بغيثها، وما أبدع الفضاء المفتوح إذا ما حمل لك إبداعات المستطيل الأخضر إلى عقر دارك!!..في كلا الحالتين تعم السكينة والهدوء في هذه البقعة الملتهبة على الدوام.

لاشيء مثل غيث السماء أو عشق الكرة جدير بشغل الكل عن السياسة والمناكفات والمواجهات الساخنة، فحينما يحضر المطر ينصرف الناس للأرض والزرع وكلهم تفاؤل وأمل بما تفيض عليهم الأرض الطيبة من خيرات بسيطة لكنها على أقل تقدير تنسيهم وجعهم ومرارتهم من أوضاعهم الراهنة، وحينما تسمع صفارة الحكم أو هدير الجماهير في المساء فما عليك سوى الاطمئنان بنهار خال من الاضطرابات والرصاص والاعتقالات.

خلاصة الكلام، الناس بطبعها تواقة للسكينة والعمل، ولا أظن المطر والكرة سوى أنموذجين يمكن الاعتداد بهما ونحن في صدد الحديث عن المعالجات المطلوبة لهذا العنفوان الشعبي، فمتى ما وجدت الفرصة في متناول هؤلاء الغاضبين والمناهضين للحكومات وللأحزاب وللوحدة القائمة، فإن بمستطاعهم توظيف طاقاتهم وملكاتهم في أشياء تعود بالنفع والفائدة على أنفسهم وبلدهم.. الفراغ قاتل لطموح وتفكير الإنسان، يقابل ذلك وجود نسبة عالية من العاطلين عن العمل والفقراء وأصحاب الدخولات الضئيلة وغيرها من الفئات الاجتماعية الباحثة لها عن فرصة للتعلم أو العمل، كل هؤلاء هم أساس المشكلة القائمة في الضالع أو غيرها من المحافظات، وعلينا ألا نذهب بعيدا إذا ما نشدنا التنمية والاستقرار، فدونما إيجاد عمل يشغل به الناس وقتهم وجهدهم في أشياء ذات فائدة ونفع لهم لايمكن تحقيق الاستقرار، ودون وجود ما يشغل الفراغ الذهني والوجداني بأشياء ممتعة ونافعة كالمناشط الثقافية والرياضية يصعب الحديث عن ضبط إيقاع المجتمع على السكينة والهدوء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى