من تاريخ وثقافة حضرموت

> «الأيام» عبدالقادر باراس:

> إذا كان للفكر والثقافة والفن دلالة في ربوع الجزيرة العربية، فإن حضرموت تحتل موقعا رئيسيا في هذا المقام.. كيف لا، وهي تمثل مخزونا وثقلا زاخرا عميق الثراء وشديد التميز لموروث ثقافي مثّل إشعاعا جميلا وعنوانا كبيرا من عناوين الإبداع الإنساني.

وحضرموت بيئتها عربية أصيلة منذ أقدم عصورها، ونجد من يتخاطب بلهجتها يستعمل ألفاظا عربية أصيلة كثيرة لاتذكر إلا في المعاجم، وكان لها حظ كبير في إظهار شعرها بمختلف مراحله، بطريقة امتازت بمستوى رفيع من البلاغة والفصاحة.

ويعتبر الشاعر امرؤ القيس بن حجر الكندي من أشهر الشعراء الحضارم في العصر الجاهلي، بل إن ذلك العصر قد حفل أيضا بشاعرات حضرميات تميزن بجودة الأسلوب وقمة البلاغة أمثال الشاعرات أم الصريخ والخنساء وخولة القضاعية.

ومع ظهور الإسلام نشطت الحركة الأدبية بشكل بارز، ومر الشعر الحضرمي في العهد الإسلامي بدورين هامين، ابتدأ الأول بعد انتشار الإسلام بحضرموت حتى أواخر القرن الثالث عشر الهجري وتميز بالطابع الديني، وكان من شعراء هذا الدور الشيخ عبدالله الحداد، وابن عقبة الشامي، وأحمد عمر باذيب الشبامي.

أما الدور الثاني فقد ابتدأ من أواخر القرن الثالث عشر الهجري إلى العصر الحديث، حيث تأثر الشعراء الحديثون فيه بأدباء البلدان العربية كمصر والعراق والشام، وكان من أبرز الشعراء الحضارمة المجددين في هذه الفترة العلامة الشيخ أبوبكر بن شهاب، وفي الوقت المعاصر كان الأديب والشاعر علي أحمد باكثير من أشهر الشعراء العرب وأوسعهم خيالا. وانتشرت في حضرموت كذلك الأشعار العامية مع هطول الأمطار أو قيام الأعراس.

ابن خلدون.. مؤسس علم الاجتماع ونظرية العمران البشري

وهبت حضرموت للعالم إحدى الشخصيات الأعلام النابغة الفذ عبدالرحمن ابن خلدون الحضرمي، المولود في تونس والمتوفى في مصر ( 1332 - 1496م)، كان يضيف لقبه (الحضرمي) إلى أسمه، حيث إن أصوله ترجع إلى حضرموت، يتصل نسبه بالصحابي وائل بن حجر الكندي، كان مثالا بارزا للعلم والثقافة في إنتاجه الفكري ومن أعظم الفلاسفة الاقتصاديين، وصاحب نظرية العمران البشري، وأحد المؤرخين الذين أنجبتهم الحضارة الإسلامية ويعتبر من أوائل فلاسفة التاريخ، ومؤسسا لعلم الاجتماع، ويمثل ضوء عبقريته شعاعا فكريا يخطف الأذهان، واكتشافاته وتأملاته وتجربته كانت ولازالت إلى يومنا هذا بؤرة اهتمام الجامعات والعلماء والدارسين في انحاء العالم.

الأغنية الحضرمية.. من الغناء الصوفي إلى الدان

رصد بعض الباحثين في كتب التاريخ إشارات تدل على أن أول ظهور للغناء بحضرموت كان في عهد قوم (عاد) كما يرى الكلكشندي شهاب الدين أحمد (1353 - 1413م).

ومما لا شك فيه أن الحياة الاجتماعية قد أفرزت لأهالي حضرموت العديد من العادات والتقاليد التي رافقت حياتهم، وبارتباط حضرموت بشعوب وحضارات أخرى تأثرت وأثرت فيها جعل منها واحة واسعة لفنون الغناء والشعر والرقص، كان أبرز مظاهره فن الدانة الحضرمية، يمثل شعرا ارتجاليا مباشرا يقوله الشاعر ويوظفه غنائيا، وهناك أيضا فن شرح الرجال (الدفين).

إضافة إلى الغناء الملاحي والبحري والموشحات الدينية، أما الآلات الموسيقية التي تستخدم في الأغاني فتعتمد على آلة العود (القمبوس) والشبابة (القصبة) والمزمار، وآلات الإيقاع التي تشمل (الهاجر) بأحجامه و(المراويس) و(الطاسة) إضافة إلى الخلخال (الحنيشة).

وتعتبر أغاني (الدان) أكثر ألوان الغناء الحضرمي شيوعا، وهو غناء صوفي متعدد النغمات والنبرات بألحان متنوعة لاتصاحبه آلات موسيقية.

تعقد من أجله الجلسات ويتساجل على أنغامه الشعراء، ومن أشهر ألوان الدان (الدان الحضرمي، والشبواني، والغياضي، والساحلي، والبحري). والأغنية الحضرمية تميزت بمزايا لانجدها في بقية الألوان الغنائية اليمنية الأخرى، بالغناء الصوفي والعوادي، فقد بدأت منذ أكثر من مائة عام تحديدا في 1897م.

حيث يعتبر المطرب سلطان بن الشيخ علي بن هرهرة أول مطرب غنائي عرفته حضرموت عندما تغنى من ألحان وشعر السيد عبدالله باحسن، لكنها بعد ذلك اتخذت مسارات متسعة على يد (شيخ البار، وبن طرش، ويسلم دحي).

وجاءت مدرسة محمد جمعة خان (1902 - 1963م) الذي يعتبر الرائد في إيجاد أغنية حضرمية توزعت بين العوادي والدان الحضرمي وعدد من الدانات الحضرمية الأخرى، وفي نهاية الخمسينيات ومن خلال تعاونه مع الشاعر الملحن حداد بن حسن الكاف استطاع محمد جمعة خان أن ينقل الدان من شكله الرتيب الخالي من أي إيقاع إلى المخدرة (ليالى السمر) والأسطوانة الشمعية وأشرطة الكاسيت ليتحول إلى أغنية متكاملة أكثر سرعة مما كان يقدم.

وتشكلت سمات الأغنية الحضرمية بعد ظهور الشاعر والملحن حسين أبوبكر المحضار، الذي نهل من كل مشارب الغناء الشعبي الحضرمي، ومن كل الدانات الساحلية والمشاقصة والغياضة، وشكّل مدرسته الخاصة التي أضافت للأغنية الحضرمية بعدا عظيما في كل أرجاء اليمن والجزيرة والخليج.

فنون الرقصات التراثية

تنوعت الرقصات التراثية في حضرموت، ما بين رقصات البادية، والعدري في مناطق (الوادي)، ورقصات مناطق الساحل، وهي عبارة عن رقصات سريعة، وبالنسبة لرقصات البادية فإنها تمتاز بالسرعة والخفة والقفز، ومستوحاة من حياة البادية وقساوتها،

وهي دون إيقاع، أما رقصات العدري (الوادي) فلها إيقاع وحركة كرقصات الزربادي والريف، وهناك رقصات أخرى كـ (الكاسر ورقصة القطن)، وجميع هذه الرقصات تعتمد في موسيقاها على الحركة الخفيفة والتصفيق، وتستخدم في معظمها أدوات كالعصا والسكين والسيف والجنبية والدرقة والمشعال والكمبورة والنمشة.

ترافق أثناء الرقصات الآت موسيقية مستخدمة كالدف أو ما يعرف بـ (الكف) والمزمار والمرواس والسمسمية (آلة شبيهة بالعود) والطاسة والطبل ويعرف بـ(الهاجر) والمطراق والطارة.

المصادر بتصرف:

- سعيد عوض باوزير/ صفحات من التاريخ الحضرمي

- كرامة مبارك بامؤمن / الفكر والمجتمع في حضرموت

- محمد عبدالقادر بامطرف / الجامع

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى