جيل يبحث عن الحقيقة

> صالح حسين الفردي:

> كثيرا ما يحاول الجيل الأربعيني- اليوم- الذي عايش المتغيرات الثورية طفلا، واكتوى بنار صراعاتها شابا، ويتقلب في تعرجاتها النارية يوما بعد يوم أن يقترب من تلك الأحداث، عله يصل إلى فهم حقيقي لما شهده الوطن من تغيرات شكلت طريقا لابد من السير فيه دون إرادة منه، ودون أن تكون له خيارات أخرى إلا ما ترك له من هامش ضئيل، يحدد فيه مساره العلمي أو المهني الذي يرغب فيه، ومن الخطأ اليوم أن نفكك خيوط تلك الفترة وما تلاها وهي التي صمت مهندسوها صمت القبور، وتواروا بين راحل وباقٍ هو كالراحل، بل أشد ضررا.

إذ إننا نجد في رحيل البعض من رموز تلك المراحل إلى الدار الآخرة معاني نستلهم منها العبرة والعظة وحسن الخاتمة أو سوءها، فرب العباد عليم بعباده، وبقي الجيل الأربعيني ومازال يتلمس النمذجة عند الجيل الذي ربما لم يره، ولكنه عايش آثاره ونتاجاته ومواقفه ورؤيته المستقبلية قبل الاستقلال الوطني في جنوب الوطن، ليذهب إلى البحث عن كوة في جدار الحقيقة أو ما يشبهها من خيط معرفة ترتكن إلى الوثائق والقرائن والدلائل لفترة سادت وعاثت وما برحت تشكل ملامح وهوية ومرجعية تلك الحقبة من حياته دون أن تسنح سانحة لهذا الجيل الأربعيني والخمسيني للوقوف عند تخومها أو الغوص إلى ما هو أبعد من سطحها البراق، فقد ناخت ركائب الكثير من ذلكم الجيل السابق المشكل لتلك الحقبة مرات عديدة في أكثر من شعب وواد، ولم تأنس وتستطيب المقام كثيرا في تخوم الوادي الذي قطعته في بداية رحلتها الثورية البكر.

لست هنا بصدد نكء الجراح، ولكنها مقاربة للكشف عن تلك الإشكالية التي وقع فيها جيلنا وأثرت على كيانه- سلبا وإيجابا- ونعطي فرصة لمن يستطيع أن يدنو من ذلك بصدق وصفاء سريرة من الجيلين، خاصة وجيل اليوم يشاهد استحواذ أغلب تلك الوجوه الستينية والسبعينية على مجريات الحياة على الرغم من الانتكاسات الكثيرة التي أصابت تجاربها ومشاريعها التي تبنتها في زمن مضى فاندفع- اليوم- لايألو على شيء للإبقاء على مكانته كمحرك لعجلة الواقع المعاش موهما نفسه والآخرين بأنه مايزال قادرا على العطاء، وأن لديه من الرؤى والأفكار ما لم تسعفه هذه المرحلة أو تلك لوضعها قيد التخطيط والتنفيذ، متناسيا أنه عنوان رئيسي فاقع لها.

تلك من موجعات الزمن ومفارقاته المريرة أن تعود تلك الوجوه الكالحة يوما لابسة طوق النجاة ورداء الأمل في صنع قادم أفضل وأجمل، في حين هي من يشوه كل جميل خارج عن دوائرها المغلقة وغرفها الموحشة بالزيف والنفاق والحديث في الفاضي وغير المفيد بعد قرحة قات أو بدونها، ليغدو ما يلوكونه من سقط القول بعيدا عن الموضوعية التي يترقبها الوطن في لحظته الآنية، حتى عندما يضطرون للاستفادة من نماذج لجيل اليوم نجدهم ينقبون عن من هم إلى سيرتهم أقرب وبتفكيرهم ألصق (وافق شن طبقة).

لذا نجد الحال يزداد انتكاسة وتتعثر خطى الإصلاح ومحاصرة الفساد، لأن هذا الجيل الكاتم على النفس الجديد لايستطيع العيش إلا في خضم الزوابع ومستنقع المكايدات والتآمرات ومصارعة الجديد الأصيل، من هنا تعشى الرؤية عند صاحب القرار في هذه المحافظة أو تلك وتسقط في الضبابية وصعوبة اتخاذ القرارات التي من خلالها يحسم أمرا يصب في تغيير يصلح ما أفسدته تلك الوجوه المتمسكة بإعادة إنتاج فشلها اليوم بشلة من حواريها وتنابلتها الخلص.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى