الظالم لا يفلح والفاسد لا يصلح

> طه حسين بافضل:

> الظلم والفساد أمران نبذهما القرآن الكريم ونددت بهما السنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، بل مقتتهما الشرائع السماوية وتوافقت على ذمهما عقول الحكماء من الفلاسفة وأهل الفكر على حد سواء .

ظللت محتاراً ومتسائلاً في آن واحد في حال كثير من المسؤولين الذين تربعوا على كراسي المسؤولية ألم يتفطنوا لهذه المقدمة المهمة التي غالباً ما تتعلق بوظيفتهم وأماناتهم الملقاة على عواتقهم ؟ بل احترت في أناس عليهم سيما الصلاح والاستقامة كيف يتجازون إخوانهم الذين يعملون لهداية الناس وإصلاح أحوالهم بما يرضي الخالق سبحانه فيتجاوزونهم ويقصونهم بظلم خبيث، همهم الاستعلاء والسيطرة على ميدان تأييد الناس وأنهم الأوحدون وغيرهم يجب أن يتبعهم وينعق بمثل نعيقهم وهتافاتهم .

الظلم أشكال متعددة والفساد صنوف متجددة والمصير الحتمي لأصحابها هو الخسار والبوار وبئس القرار، والحال خير شاهد على ما أقول، ولست هنا أنظر كما يفعل الفلاسفة وأغرد خارج السرب بل ما أسطره هو الواقع بعينه الذي يزداد تردياً يوماً بعد يوم ويستشري خطره عاماً بعد عام ويعرفه القاصي والداني، ويتحدث عنه الجميع، ولكن دون جدوى ولافاعلية وإنما عزائي هو المشاركة في النصح والتوجيه وابتغاء الأجر من الله وحده وليس من حزب أو جهة، ورغبة في حماية وطننا المبارك من الانزلاق والتصدع والانشقاق .

إن نتائج الظلم سيئة وعواقبه وخيمة فلا فلاح ولا نجاح ولا خلود لظالم نهب بما فيه الكفاية من أموال الشعب وخيراته وأوقافه وعقاراته، وعربد وانتهك واستولى وهدد ونفذ واغتر وتكبر وأصابه العجب فمصيره مصير قارون الذي ابتلعته الأرض بعد أن كان متبختراً عليها ومصير كل الظلمة الذين طوتهم صفحات التاريخ أو وسدوا التراب فنسيهم الجميع، كما أن المفسد الذي ولاه الحاكم على أمور الناس لا يمكن البتة أن ينتظر منه صلاح أو إصلاح، لقد أفسد نفسه ودساها في أوحال الأخلاق الرديئة والبعد عن القيم النبيلة والغوص في مياه الفساد الأخلاقي والإداري العفنة وصار يعيش لنفسه ولأقربائه فحسب أما الوطن فليس له إلا التغني والمديح .

ويأسف المتتبع عندما يجد أن الفساد يتغلغل يوماً بعد يوم ليس فقط في مفاصل الدولة بل في جذورها وشعيرات جذورها إذ المعاني الحقيرة الفاسدة، والدنيئة الساقطة، تعشش في القلب ثم تبيض ثم تفرخ لأن الفساد أسرع إلى الناس، وأشد التحاماً بالطبائع، والإنسان بالتعلم والتكلف، فكل من له مسؤولية ولو صغرت وتحت يده القدرة على الفساد لا يتوانى في أن يسطر لنفسه قائمة من الأخطاء والزلات والجرأة على التعدي على أملاك الشعب ونهب حقوقهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، عاش في بلاط التسلط يحسب أنه حر شجاع، بل هو عبد للريالات، ذليل خاضع لشهوات النفس والعادات، قد طلق النزاهة ثلاثاً، طلاقاً قطعياً، لا طلاقاً رجعياً، ويجاهرها جهاراً حربياً لا جهاراً عينياً، وما علم أن عز النزاهة أحب إليه من فرح الفائدة، والصبر على العسرة أحب إليه من احتمال المنة، هكذا قال الحكماء وتغنوا بعزة النفس وصونها عن الرذائل والدنايا، لأنهم عرفوا قيمة الحياة وشرفها فسعوا وبجدارة ليسجلوا مآثرهم وينقشوها على صفحات التاريخ .

إن الوقوف بالمرصاد لكل ظالم ومتنفذ وكل فاسد معربد هو المهمة الكبرى التي يجب القيام بها من قبل الحاكم ابتداء ومن قبل كل مواطن غيور في الإبلاغ عن كل فاسد صغر أو كبر للجهات المختصة والمسؤولة عن مكافحة الظلم والفساد، لامجال للتأخر أوالتردد أو التلفت، فالداء فتاك والزمن كفيل بأن يهدم البنيان من القواعد فيخر السقف من فوقنا ولن تكون النتيجة إلا سراباً يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. ينبغي أن يقوم الجميع بدوره وجهده بالمشاركة في درء الظلم والفساد عن وطنه وأهله لا يخاف في ما يقوم لومة لائم، فالأرزاق بيد الله تبارك وتعالى، وهو وحده المتكفل بها ولن يقدر كائنا من كان أن يمنعك رزقاً ساقه الله إليك، أما التفرج والحديث في الزوايا الضيقة عن فساد البلاد وتحميل السلطان وأهل العلم والرأي فقط التبعة، ثم يخرج هو خارج دائرة المسؤولية ويتنصل منها، فهذا هو الغباء والجبن بعينه بل القضية تكاملية وجماعية وليست فردية تتكامل معها جهود الجميع للارتقاء بالوطن بذكاء النقد والتصرف، وسمو أخلاق الحكيم المتعفف .

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى