إنكار الحقائق لايلغي وجودها

> د.عيدروس نصر ناصر :

> ما شهده يوم السابع من يوليو هذا العام من حركة اعتصامات وفعاليات احتجاجية شملت معظم المحافظات الجنوبية يؤكد أن أبناء المحافظات الجنوبية لايزالون ينظرون إلى هذا اليوم على أنه يوم الانقلاب على المشروع الوحدوي السلمي الديمقراطي، وفيه- أي في هذا اليوم- تحولت الوحدة من شراكة وطنية على طريق النهوض والتنمية والاندماج الوطني إلى غنيمة حرب بيد الطرف المنتصر، الذي شرع يستولي على كل ما فوق الأرض وتحتها، ويستبعد كل شركائه إلا من تحول إلى تابع ينفذ السياسة الجديدة التدميرية التي بدأت يوم السابع من يوليو، والقائمة على الاستيلاء والنهب والإقصاء وتزوير التاريخ وتدمير المعالم وتحويل المواطن الجنوبي إلى ما يشبه اللاجئ في بلده.

أحد المسئولين الكبار في محافظة عدن صرح في ذلك اليوم- وعلى ضوء حملة القمع الشديدة التي ووجهت بها الحركة الاحتجاجية، التي نجم عنها اعتقال وإهانة الآلاف من أبناء عدن والمحافظات المجاورة- بأن القائمين على الحركة الاحتجاجية غشوا الناس ووعدوهم بأن الانفصال سيحقق لهم النعيم (إذا ماخرج الدحابشة). (هكذا وردت العبارة على لسان المسئول الكبير). وقال إن هؤلاء- أي قادة الفعاليات الاحتجاجية- لاتأثير لهم، وأنهم لايحظون بأية شعبية.

وحسب علمي فإن كل قيادات الحركة الاحتجاجية لم تتحدث قط لا في العلن ولا حتى في السر عن (دحابشة)، وإن هذه المفردة هي من تدبير الأجهزة الأمنية التي وزعتها عبر مخبريها عندما تسللوا إلى بعض الفعاليات ورددوا مثل تلك الشعارات الجوفاء، وجرى التنبه لها، ولم تتكرر في أي من الفعاليات اللاحقة.

أما القول بأن قيادات الحركة الاحتجاجية السلمية المدنية لاتأثير لهم وإنهم لايحظون بأية شعبية، فهو قول مردود عليه، فلو لم يكن لهم تأثير ولا شعبية لما احتاجت أجهزة الأمن إلى مئات القطع العسكرية المنتشرة في معظم الطرقات ومداخل المدن وبين المحافظات من الضالع إلى عدن ومن أبين إلى لحج ومن شبوة إلى حضرموت والمهرة، ومن تعز إلى إب وغيرها من المحافظات، ولو لم يكن لهم أي تأثير كما زعم المسئول الكبير لما احتاجت الأجهزة البوليسية لفتح المعتقلات والزج بالمئات في غياهبها، ونشر الدبابات وإقامة نقاط التفتيش الجديدة التي حولت الطرقات إلى ما يشبه المعابر.

المسئولون اليمنيون مصممون على إنكار وجود مشكلة بينهم وبين الشعب، تماما كما يفعل المريض المكابر، الذي يتصور أن إنكاره الداء سيمكنه من إخفائه إلى الأبد، دون أن يعلم أن الاعتراف بالمرض هو الخطوة الأولى للعلاج، وأن الإصرار على إنكار هذا الداء يمكن أن يتسبب في فنائه (أي فناء المصاب).

ثقافة إنكار الحقائق السياسية بالاتكال على إمكانية طمسها من خلال وسائل القوة والحديث عن منجزات وهمية، ثقافة تنتمي إلى عصور الاستبداد والشمولية والأنظمة البوليسية، وبالتالي فهي لاتمت بصلة لما يقال عنه من ممارسة الديمقراطية، الإخوة في السلطة لايرغبون أن يقول لهم أحد إنهم فشلوا في الحفاظ على الوئام الوطني، وإنهم يقودون البلاد بأساليب مدمرة، وإن الشعب مل الاستماع إلى الخطاب السياسي الممجوج القائم على الاستغفال والخديعة والزيف، وإن الحديث عن الديمقراطية تكشف زيفه السجون التي تعج بمعتقلي الرأي وقادة المعارضة السلمية، وإن الكلام عن الرخاء والتقدم يعريه عجز المواطن عن تدبير مصاريف يومه الضرورية، وإن الحديث عن الوحدة يتناقض مع سياسية التمييز والإقصاء والاستبعاد، وإن تكرار التغني بالأمن والاستقرار يتوارى أمام القتل وسط العاصمة وعواصم المحافظات، وأحيانا على أيدي رجال الأمن، وأن هذه الأساليب الدعائية العبثية لم تعد تنطلي حتى على الأميين.

باختصار شديد الإخوة في السلطة يتصورون أنهم بالكذب على الناس ونشر الدعاية المستهلكة التي تنتمي إلى ستينات وسبعينات القرن الماضي سيقنعون الناس بأن الفقر منجز وطني، وأن الحرب هدف من أهداف الثورة، وأن اعتقال ذوي الآراء المخالفة صورة من صور الديمقراطية، وأن نهب الثروات وتقاسم الموارد بين مراكز القوى ميزة من مميزات الجمهورية، وأن العبث بأراضي الجنوب وحقوق أبنائه وثرواته النفطية والسمكية والزراعية تجسيد للوحدة وتعميق لمداميكها، وأن البطالة والفساد خاصية من خواص الانفتاح والاستثمار، وهم بكل ذلك لايعلمون أن الحقائق المتجلية على الأرض أقوى من أن تخفيها الخطابات، وأكثر عنادا من أن تطمسها الادعاءات والتصريحات الزائفة.

برقيات

الكاتب الكبير نجيب اليابلي: التهديدات التي تلقيتها تؤكد أنك تسير على الطريق الصحيح، فلا تأبه لما يقوله المتسترون، أعداء الحقيقة وأصدقاء الزيف والتضليل.

الناشطان العسل والقمع: كم أنتما قويان ومخيفان لخصومكما، وأنتما في المعتقل ولاتمتلكان إلا سلاح الإرادة، وكم غرماؤكما ضعفاء برغم أنهم طلقاء ويمتلكون كل الأجهزة والأسلحة والسلطات، إنها قوة الحق مقابل هشاشة الباطل وضعفه.

قال الشاعر التركي العظيم ناظم حكمت: تستطيع أن تكذب على بعض الناس بعض الوقت، أو أن تكذب على بعض الناس كل الوقت، أو أن تكذب على كل الناس بعض الوقت، لكنك لاتستطيع أن تكذب على كل الناس كل الوقت.

رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى