حتى تكتمل الصورة

> هيثم الزامكي:

> لايستطيع أحد أن ينكر حقيقة وجود شعور بالظلم وخيبة الأمل لدى معظم أبناء المحافظات الجنوبية جراء ما آلت إليه حالتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من تدهور لاينكره عاقل أكان من جماهير الحراك أم من السلطة أم ممن هم على الحياد.

ولو تبصرنا بموضوعية وحيادية لهذه الأزمة، وأردنا أن نضع حلولا افتراضية، ونقيس تلك الحلول بمعايير مصدرها وأثرها وضرورتها، سنكتشف أن أسباب الحراك الجنوبي قائمة على حيثيات ومعطيات تمت على أرض الواقع خلال مسيرة الوحدة، وأبرز عناوينها حرب صيف 94م، وأن جوهر الحراك الجنوبي قائم على تغيير العوامل التي أدت إلى حدوث السلبيات السابقة بدرجة رئيسية، بينما يقوم جوهر رد فعل السلطة تجاه هذا الحراك من منطلق الخوف من سلبيات- من وجهة نظر السلطة- لم تحدث بعد، مع بعض الاعتراف بالأخطاء التي سبقت.

وبناء على ذلك فإن أي حل لهذه الأزمة يمكن بناؤه على قاعدة (تغيير العوامل وتثبيت النتيجة) بحيث تزال العوامل التي أدت إلى ما حصل ويحصل اليوم من تصدع في بناء الوحدة، والاتفاق على صيغة ما تبدد مخاوف السلطة من حدوث انفراط في عقد الوحدة.

والعاقل المتبصر في بواطن الأمور يجب أن ينتبه إلى أن الحل لايمكن أن يقوم على القوة أو على تبني وجهة نظر أحد الطرفين فقط، فها نحن نقترب من إكمال السنة الثانية من بدء الحراك الجنوبي السلمي، ولم تفلح كل الحلول التي طرحت في تحقيق أي انفراج، وعلى الجميع أن يحمد الله على أن الأمور لم تخرج بعد عن نطاق السيطرة، مما يستدعي كافة الشرفاء والوطنيين الذين يحرصون على استقرار الوطن أن يتحركوا بكل جهد وجدية للاستفادة من آفاق الحل المتاحة حتى الآن قبل أن تجد عوامل وظروف تعقد المسألة وتطيل في عمر هذه الأزمة، وعلى الجميع أن يعقل المعقول، فلا تكون الحلول سطحية ولايطلبون النتائج قبل تقديم الأسباب الدافعة لحصول النتائج، والعبء الأكبر في هذه المسألة إنما يقع على عاتق السلطة، لأنها جهة القرار، ولأنها تملك حرية أكبر في الحركة وتقديم الحلول وتغيير العوامل الرئيسية التي أدت إلى حدوث الأزمة، ومن يفطن لخبايا السياسة يجب أن يدرك صعوبة عودة جماهير الحراك السلمي إلى منازلها، مع بقاء العوامل التي أدت إلى ذلك على حالها، وإذا كانت السلطة تخشى من أن تقديم أي حلول قد يؤدي في المستقبل إلى الإضرار بالوحدة، فلن ينكر عليها أحد أن تقترح الضمانات المناسبة لتبديد مخاوفها، والمهم والمطلوب حاليا أن تطلق مبادرة ما لحلحلة الوضع القائم، وبمجرد أن يفتح حوار جاد تشترك فيه كافة الأطراف المعنية بالأزمة، ستوضع الحلول للنقاش والتفاوض والسياسة، ويمكن لكل طرف أن يحصل على ما يريد.

على الرغم من المشاكل والمنعطفات الحادة التي مرت بها حلقات المشهد السياسي منذ بدء هذه الأزمة، فإن المتابع لذلك المشهد لايخفي تفاؤله من إمكانية الحل، فمجال الحكمة مايزال مفتوحا، ولاينبغي القياس على ما يظهر من مهاترات إعلامية ومواقف معلنة، فالجميع لديه قناعة داخلية مستترة بضرورة التعقل والنظر إلى ما هو أبعد من المعطيات الحالية، وكم نأمل أن تتحرر تلك القناعات لتجسد على أرض الواقع، وإذا كان هناك ما يدعو للتشاؤم حيال تفاصيل المشهد السياسي الحالي، فإن أبرز ملامح ذلك التشاؤم تكمن في اقتصار المشهد السياسي الحالي على طرفين يتبادلان خلافهما السياسي بلغة الوصف لما حدث، وتبادل الاتهامات بالمسئولية عن ما حدث، فبات المشهد السياسي ناقصا وغير مكتمل من ناحيتين، الأولى تتعلق بتطوير الخطاب السياسي لكلا الطرفين، ليشمل تقديم الحلول المقنعة، والثانية- قد تكون الأهم حاليا- تتعلق بغياب الطرف الثالث أو الوسيط بلغة السياسة، الذي يستطيع تقديم المبادرات المناسبة للخروج من هذا الوضع.

وحتى تكتمل صورة المشهد السياسي الحالي وتلوح معها بوادر الأمل في تحقق الانفراج، يجب أن يعمل جميع العقلاء أينما كانوا بكل عقلانية وضمير وبكل وطنية وانتماء على عدم تفاقم الأمور وانزلاقها إلى نقطة اللا عودة، والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى