(معالم بريطانيا أشهرها بقالة لا يمكن الاستغناء عنها)

> فاروق لقمان:

> المعالم التي يتوجب على السائح زيارتها في بريطانيا تشمل مباني البرلمان، البرج حيث تحتفظ الأسر المالكة بمجوهرات التاج، جامعة لندن سيما كلية امبريال الراقية, شارع أكسفورد، متجر هارودز، شارع الصحافة سابقاً وشارع ادجوير الذي أفسده العرب بالشيش والشوارمة التي تتجاوز عشرين جنيهاً وعشرة للقهوة وعشرة للماء.

لكن هناك مقصداً يجب أن يرتاده الجميع إلا أولئك الذين لا يحتاجون أن يزوروه شخصياً لأن لديهم من الخدم والحشم من يفعلون ذلك نيابة عنهم براتب منتظم. وأعني به بقالات (تسكو) أكبر شركة سوبرماركت في البلاد التي تضم ألفي فرع في أنحاء المملكة المتحدة.

على الأقل المتحدة حتى الآن إلا إذا انفصلت سكوتلندا عنها كما يتوقع بعض المحللين ويأمل سكان الإقليم الذي انضم إلى انجلترا وويلز وآيرلندا ليشكل المملكة العتيدة التي احتلت ربع العالم وسيطرت على الباقي بأسطولها وتقنيتها العسكرية بواسطة الثورة الصناعية التي أوصلتها من هونج كونج إلى جبل طارق عن طريق عدن.

(تسكو) ممتعة بما فيها لأنها تضم كل ما تشاؤه سيدة المنزل مواطنة ومقيمة وزائرة. ويكفي أن لديها ثلاثمائة ألف موظف في بريطانيا وحدها غير الفروع في أمريكا وتايلند التي بلغت ثلاثة ألف وسبعمائة وثمانية وعشرين.

ماذا تقدم للزبون؟

قالوا كل شيء سوى البوارج الحربية والغواصات والطائرات المقاتلة حتى أنها تستقطب جنيهاً إسترلينياً من كل سبعة تنفقها السيدة أو الرجل الذي يتسوق بنفسه أو مع السيدة. لذلك فإنها منتشرة في كل الأحياء ومنها العديد في لندن حيث أقمت مراراً ولم أعد بحاجة إلى زيارة غيرها وكنت واحداً من ثلاثين مليوناً يفعلون ذلك كل أسبوع.

لذلك فهي مؤسسة مهولة بكل المقاييس في بلد صغير نسبياً يعادل نصف مساحة الجمهورية اليمنية أي ما يساوي الجزء الشمالي منها لأنها تستقطب ذلك العدد الضخم من الزبائن الذين رفعوا مبيعاتها إلى حوالي خمسين مليار جنيه أو مائة مليار دولار.

(تسكو) ليس وحده في تحقيق مستوى عال جداً من النجاح إذ إن هناك أكبر منه خارج البلد مثل وول مارت وهوم ديبو الأمريكيين وكارفور الفرنسي. وهذا الأخير بدأ الانتشار في الخليج العربي مستفيداً من اتفاقية منظمة التجارة العالمية التي فتحت الأبواب المؤدية إلى كافة الأسواق من أستراليا المحدودة السكان إلى الصين والهند بأكثر من مليارين ونصف مليار من البشر الذين تتحسن أحوالهم ومداخيلهم باستمرار.

وقد ذكرت إحصائيات أن الهند وحدها بإمكانها استيعاب عشرة ألف بقالة متوسطة وصغيرة خلال العقد القادم.

كم سيكون العدد المناسب للعملاق الصيني الذي صحا مؤخراً من طول السبات حيث بلغ متوسط دخل الفرد أكثر من المتوسط الهندي بأربعة أضعاف.

تضم دول الخليج العربية حالياً الكثير من البقالات الحديثة ولو أنها ليست بحجم تسكو مساحة ومحتويات ولا يمكن لها أن تكون لقلة عدد السكان.

لكنها تسير حثيثاً نحو تقليد تسكو بتشكيل شبكات منها تمتد من أقصى الشمال إلى الجنوب في الأعوام المقبلة.

ولعل الإخوة الذين زاروا لندن وسواها من المدن لاحظوا أن أسعار السلع في فروع تسكو أرخص من مثيلاتها خارج المؤسسة لسبب وجيه.

وهو أن المؤسسة تشتري كميات كبيرة من كل شيء أكان لحماً أو أحزمة للبنطلونات وشنطاً للسيدات وتصر وتفوز بأسعار معتدلة من الموردين الذين يرحبون بطلباتها لحجمها وانتظامها.

لكن تسكو تعاني من حساسية مفرطة تجاه التغطية الصحفية أو النقد الذي يوجه إليها وهو رد فعل كل مؤسسة بهذا الحجم الذي يستطيع أن يمنح رئيسه التنفيذي أكثر من خمسة ملايين جنيه سنوياً بين راتب ومكافآت.

s وهذا ما حدث لها مع صحيفة «الجارديان» اليومية، التي تصدر «الأوبزرفر» الأسبوعية أيضاً وتتمتعان معاً بشهرة واسعة داخل البلد وخارجه جعلا تسكو تهدد برفع قضية قذف وتطالب بتعويض باهظ مع أنها ستخسر شريحة من زبائنها ومن سمعتها أيضاً لو واصلت الجري وراء معاقبة «الجارديان» التي ادعت خطأ أن تسكو تهربت من دفع الضرائب على جزء من مداخيلها لا يساوي اثنين بالمائة من إجمالي دخلها.

ومع ذلك اعتذرت «الجارديان» واعترفت بأن مصدرها كان ضعيفاً وأنها أخطأت في اعتباره عليماً بالأمور كما كانت تعتقد.

وكررت اعتذارها لتسكو رغم أنها لم تتوقف عن نقدها للعملاق ولو في إطار القانون البريطاني الذي يسمح بالنقد البناء مهما كان حجم الطرف الآخر وهو ما لا يحدث في البلاد العربية والشرقية عموماً وحتى في الولايات المتحدة حيث يمتلك رأس المال سطوة لا يقدر عليها ناشر أي جريدة بل أن معظم الجرائد تقع تحت شوكة رأسمالية مفزعة لأي ناشر مستقل تمنعه من انتقاد وول مارت أو هوم ديبو.

ويعود ذلك إلى القوة الكاسحة للإعلان الذي تقوم عليه الصحف في غياب الدعم الحكومي والحزبي لها كما هو في العالم الثالث.

فإذا تجرأت جريدة على انتقاد إسرائيل مثلاً حركت مؤسسة أيباك اليهودية كافة الشركات المتعاطفة معها وكلها في الواقع كذلك وأمرتها بالامتناع عن الإعلان فيها حتى تعود إلى «صوابها» أو تغلق أبوابها.

كذلك الحال بالنسبة للحزب الجمهوري الثري برأسمال مؤيديه إذ إنه يستطيع أن يقضي على أي جريدة بواسطة أجهزته الإعلامية وعلى رأسها الرأسمالية المحافظة جداً مثل تلفزيون فوكس التابع لروبرت مردوخ وجرائده العديدة. افتتاحية واحدة تتناقلها الوكالات ومحطات الراديو والتلفزيون كفيلة بإرهاب الجريدة التي تجرأت بالنقد.

لكن كما يبدو لي ولغيري حالياً لن تتمكن تسكو من القضاء على «الجارديان» التي لا تقوم أو تقعد على الأرباح لأنها أمانة لا يملكها فرد أو جماعة أو حزب أو حكومة. لذلك لا تخشى أحداً ما دامت تعتمد الصدق والموضوعية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى