طواهيش عدن

> محمد عبدالله الموس:

> قليلة هي الموضوعات التي نعيد قراءتها أكثر من مرة، ونعيد قراءة ما يكتبه بعض كتاب «الأيام» غير مرة، وموضوع (مجانين عدن) للأستاذ فضل النقيب («الأيام» 5453، 2008/7/13) جدير بإعادة القراءة، فصاحبه من أولئك الذين يجيدون المبارزة بالقلم برشاقة، صحيح أن بعضهم يبارز في أحيان كثيرة في غير المعمعة، لكن ذلك لايمنع من الاعتراف برشاقة تلك الأقلام.

مثل مجنون ليلى حين أنكروا عليه عشقه ينكرون علينا عشق عدن، فهي بالنسبة لهم ميدان تكسب ونهب وسلب وقضاء حاجة، لا دار سكنى، وواحدة من روائع المدن التي تستحق الزيارة أكثر من مرة، ترسخت في الأذهان بوصفها مركز إشعاع وتنوير منذ كان الجوار في معظم جزيرة العرب يعيش في زمن ما قبل الدولة العصرية، أولئك هم الذين يمكن أن نطلق عليهم (طواهيش عدن)، فقد حولوا عدن من موقع إسترتيجي ينشده أساطين البحار يخدم رحلاتهم بين الشرق والغرب ويشكل جسرا أفريقيا آسيويا إلى مجرد مطاعم ولوكندات وحمامات عامة وأسواق قات بلا وظيفة أو دور اقتصادي.

الانتقاد ضرورة للتصحيح، ويجب توجيهه إلى من يستحقه دون حرج بغض النظر عن الانتماء الشطري، فالأصل في التقييم هو حسن الأداء، فكم من جنوبي يعيث في عدن عبثا وفسادا، وكم من شمالي يستميت دفاعا عنها، وعلى ذلك فلا (الدحبشة) شمالية ولا (الانضباط) جنوبي (إذا افترضنا أن الأخيرة عكس الأولى)، لكن الوضع العام يتيح للدحبشة (طريقة حياة) أن تطغى، ولايتيح لانضباط إيقاع الحياة أن يسود.

قبل أشهر عدة كنا في حديث مع أحد كبار مسئولي عدن العقلاء، وكان يشكو من انتقادات لأحد كتاب «الأيام»، قال إن مفرداتها جارحة، وقلت له يومها، أتمنى عليكم أن لاتعتبروا الأمر مواجهة مع «الأيام»، لأن «الأيام» ليست هشاما وتماما ولا أسرة «الأيام» وكتابها، وذلك لايلغي حقكم في التعقيب، أكبرت تصرف الرجل حين ناول صحيفة «الأيام» إلى أحد الموجودين بقربه قائلا: أنت في مستوى كتاب «الأيام» ويمكنك الرد.

الأصل أن المجتمعات لاتخلو من تباين الرؤى، وأن المجتمعات الديمقراطية تعيش بسلام، حيث يعبر كل لون ونوع عن نفسه، فيما تتناحر المجتمات التي تقوم على رفض الآخر، ولايمكن لأحد أن ينكر أن «الأيام» كان لها الريادة في ترسيخ ثقافة تعايش الرؤى المتباينة والاختلاف المسالم، وهذه سمة تحسب لـ «الأيام» لا عليها، لأن اختلافات رؤانا كانت دموية إلى عهد قريب، وهناك من يريد لها أن تبقى كذلك.

ولايمكن لعاقل أن يأخذ على «الأيام» دفاعها عن عدن، الموقع الإستراتيجي والإرث المعرفي والتاريخي، فخير عدن لو جرى إنعاشها، لن ينحصر فيها، فهي على مدى تاريخها العريق تنشر خيرها إلى أبعد من حدود كل اليمن وإلى ما وراء البحر جنوبا.

ترسيخ ثقافة التباين المسالم والدعوة إلى الأخذ بيد عدن كجزء مهم من هذا الوطن هو ما ينفع البلد والناس، ويمكث في الأرض، وما عداه من إساءات في منشورات مشكوك في مراميها وتمويلها، زبد يذهب جفاءً.

لا أجد تشبيها أقل قسوة من أن حال مفتعلي المعارك الجانبية مع دعاة الإصلاح، كحال ذاك الذي يحدثه الناس عن تشققات بيته وهو يتغنى بجودة دهان (طلاء) ذلكم البيت، وهي الحالة بين عشاق هذا الوطن وطواهيشه.

وأطيل بتحية لعادل ونجيب،مخالفا بذلك نصيحة العزيز تمام، بأدبه الجم، تجنب الإطالة.. الأعسم الذي اكتشف أن بنشر تأير مشكلة كبيرة في بعض الأماكن حتى لو حدث ذلك لسيارة أمير في عدن، وغير ذلك في غيرها، واليابلي الذي يتعدى بنظرته سطوح الأشياء، ورأى أن معظم شؤون حياتنا في حالة (بنشر)، وكأنه يحاكي شاعرا من أبين يصف حال الساقي مع الدلو:

قال امبجيري دلها فارغ وطلعها خلي

قدها مفجر كلها وأنته تباها تمتلي

هامش:

دلها: أنزل الدلو إلى البئر بصيغة الأمر

خلي: فارغ

مفجر: كثيرة الثقوب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى