رجل الوفاء سعيد محمد الفقيرية

> عباس ناصر السقاف:

> ما إن تأتي صورة الفقيد سعيد محمد الفقيرية إلى مخيلتي أو يذكر اسمه على أسماعنا حتى يتبادر إلينا قول أمير الشعراء: قم للمعلم وفه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا

نعم إنه العم سعيد الفقيرية، الذي عرفناه منذ الطفولة حينما يذكر موضوع يتعلق بالزراعة في منطقة دثينة، زادت صورته وضوحا مع سن الشباب عندما كان العمل التعاوني في دثينة، فأرسى زراعة البرتقال ودخلت زراعة البطاطس ذي البذور الهولندية، كانت جمعية دثينة خير مساعد للمزارع، وحقا عرفناه صديقا ومعينا للمزارعين، وإذا جئت مودية فلا بد أن تزور جمعية دثينة لتلاقي العم سعيد فيها وتلمس فيه طبيعة الفلاح وكرم وشهامة القبيلي وحزم رجل الدولة، فشخصيته دائما تميل بطبعها إلى الوسطية، عاصر فترة السبعينات ولم تجرفه شعارات المزايدة، ولم يخرج يصفق مع من خرجوا في تخفيض الراتب واجب، وفي نفس الوقت ظل محتفظا بكرامته واحترامه بين الناس، ونستطيع أن نصف ثقافته بأنها من نوع السهل الممتنع، فمن الناحية الثقافية هو ديوان للأدب والشعر والسياسة، وكان رحمه الله من أشد المعجبين بفلسفة بن رامي علي وشجاعة وحكمة أبي حمحمة وسلاسة شعر المشطر.

ظل في قيادة جمعية دثينة أكثر من أربعة عقود، فهو من الرجال الذين أسهموا في بناء هذا الصرح والحفاظ عليه، ومع بداية الوحدة، وما أعلن فيها من إعادة بعض الحقوق إلى أصحابها، ظن فريق من الناس أن أموال الجمعية ليس لها مالك فحاولوا أكثر من مرة الاستيلاء على الجمعية وممتلكاتها، لكنه وقف كالطود لايخاف في الحق أحد، حتى أن كثيرا من الناس ظلوا يمقتون منه هذه المواقف ويعتبروها حمقا، ومع ذلك فدثينة بكل من فيها وما من اختلاف وتنوع سياسي واجتماعي وثقافي إلا أنك لن تجد فيها اثنين يختلفان على أمانة ونزاهة هذا الرجل.

في الدورة الأخيرة لانتخابات الجمعية، ونتيجة ظروفه الصحية، ترك العم سعيد العمل التعاوني، وكان من سوء حظنا أنه تم انتخابنا في إدارة الجمعية بعد العم سعيد، ولم نعمل معه.

وعند أول اجتماع للمجلس الإداري للجمعية قرر المجلس تكريم العم سعيد، وفعلا بالتواصل مع جهة الاختصاص في المحافظة وأبين والعاصمة صنعاء تم تزكية ذلك القرار على أن تقوم إدارة الجمعية بتجديد الزمان والمكان، وتم تكليفنا من الإدارة أنا والأخ العزيز الخضر عبدالله منصور بالذهاب إلى العم سعيد لترتيب برنامج حفل التكريم، ورغم عوامل السن والصحة وجدناه في مزرعته مبتسما وقال بصوته الهادئ على الرحب والسعة فأنتم ضيوفي اليوم. قلنا للعم سعيد إن سبب مجيئنا مهرجان التكريم. فرد علينا مبتسما إن صحتي لاتساعدني على ذلك. وأمام إصرارنا على ذلك، وبتدخل من أحد أقربائه الذي حضر معنا قال العم سعيد إن هذا المهرجان الذي تقولون عليه هو للمديح وأنا لا أحب المدح. قلنا له أيها العم إن كثيرا من مسئولينا هذه الأيام يقدمون الأموال والعطايا حتى يجدوا من يجود عليهم بما قال وقصيدة شعرية يمدحهم فيها، وإن كان أساس هذا المدح كذب، أما أنت فلن نقول فيك إلا الصدق والوفاء، فرد علينا بشيء من الحدة يا أبنائي إن المديح يؤذيني في رأسي. عندها أدركت وزميلي أننا أمام رجل من الرجال الذين يعملون بصمت ولايحبون الأضواء. فاستأذنا العم سعيد ورجعنا وقلنا للإدارة وجهات الاختصاص إن صحته لاتسمح له.

أمام هذا الرجل النادر في هذا الزمان نوجه دعوة خاصة إلى الأخ محافظ محافظة أبين وإلى جهات الاختصاص في المحافظة بأن يخلدوا ذكراه في أن يطلق اسمه على أحد الصروح التعاونية أو أحد الشوارع لتعرف الأجيال القادمة أن هناك رجالا كان عطاؤهم بلا حدود، ولم ينتظروا مقابل ذلك شيئا إلا لأجل أهداف سامية آمنوا بها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى