انتصار المقاومة في الجنوب

> عادل الأعسم:

> ما أروعها من صور ولحظات عظيمة وتاريخية، والشعب الجنوبي يستقبل أبطاله المقاومين، العائدين من قبضة الاحتلال، شامخين، أسرى وشهداء، وفي مقدمتهم عميد الأسرى العرب سمير القنطار الذي قضى أكثر من 30 عاما في الأسر.

إن عملية تبادل الأسرى التي أنجزها- بمفرده- حزب مقاوم، عجزت عن مثلها الأنظمة العربية مجتمعة، دول كاملة برمتها، وبزعمائها وحكوماتها وجيوشها وقواتها الأمنية والقمعية، بقضها وقضيضها، وبثرواتها وأجهزتها الاستخبارية والدعائية والإعلامية التي تخصصت وتفرغت لتمجيد الحاكم وحده، والتسبيح بحمده ليل نهار.

لقد أثبت ذلك الحزب المقاوم أن الإرادة تصنع المعجزات، وتذلل الصعاب، وتقهر العقاب، وتنجز الوعود المستحيلة، وإن الصدق أقصر وسيلة للإقناع وأقربها للوصول إلى قلوب ووجدان الشعب، ونيل ثقته وحبه واحترامه والتفافه واستعداده للتضحية، وإن التلاحم والتماسك والإيمان بالقضية، والحفاظ على السرية، وتحصينها من الاختراق، هي منبع القوة.. وأن دراسة العدو ومعرفته هي مكمن التفوق عليه، وإن الفداء خير عنوان للوفاء.. وإن المقاومة هي الطريق الأمثل، وغالبا الوحيد، للتحرر والانعتاق من ربقة الاحتلال.

المتابعون والمراقبون- بمن فيهم الأعداء والخصوم قبل الأصدقاء والأنصار- أبدوا إعجابهم، بل وتقديرهم واحترامهم للطريقة التي قاد بها رجال الحزب المقاوم المفاوضات لتبادل الأسرى، حيث أظهروا حرفية عالية للحصول على أفضل ما يمكن، وأكثر، ويكفيك فخرا ونصرا أنهم حافظوا على سرية مصير الجنديين العدوين الأسيرين حتى آخر لحظة، ليحققوا صفقة ولا في الخيال، وانتزعوا من الأسد الشرس خمسة من الأسرى ورفات حوالي (207) من الشهداء العرب، الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الوطن، خلال فترات متفاوتة من مراحل المقاومة والكفاح ضد العدو العنصري الغاصب، مقابل جثتي جنديين فقط وبقايا رفات بعض الجنود الصهاينة.

لم تقف إرادة رجال الحزب المقاوم في الجنوب، وإيمانهم بالحق، والدفاع عن الأرض والعرض عند حدود الانتصار على العدو في ميادين المعارك، وإنما هاهم يتعدونه إلى تحقيق نصر مؤزر آخر على طاولة المفاوضات، ولعل أصدق تعبير لهذا الانتصار هو ذلك التناقض بين المشهدين، مشهد حزن وحسرة خيم على الأعداء، وهم يستلمون جثتي أسيريهما، ومشهد الأفراح والاحتفالات في قرى ومدن المقاومة الجنوبية، وهم يستقبلون أسراهم الأبطال وشهداءهم الأبرار.

وهكذا أنجز رجال المقاومة في الجنوب (الوعد الصادق)، وصنعوا ملحمة لم نشهد لها مثيلا في تاريخنا العربي الحديث، المثخن بالجراحات والنكسات والنكبات والخنوع والتبعية والاستسلام.. وبرهنوا للعالم أن تاريخ الشعوب تصنعه عزيمة الرجال الطامحين لا أولئك الخانعين المستسلمين.

تحية لرجال المقاومة في الجنوب الذين أثبتوا فعلا أن المقاومة المنظمة المستمرة، الفاعلة على الأرض والصادقة والمؤثرة بين أوساط الشعب لابد أن تصنع فجر الحرية مهما طال الزمان، وتُغَيِّب شمس الاحتلال، مهما كان نوعه وقوته وجبروته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى