الانتخابات في الحكم الديمقراطي هل تؤدي دورها المطلوب؟

> خالد درهم ناجي:

> يتفق رجال السياسة والإعلام والأحزاب السياسية والجمعيات والمراكز الثقافية والسياسية والعلمية على أن بناء الدولة ذات المؤسسات المدنية الحديثة يتم عن طريق الانتخابات، والتبادل السلمي للسلطة هو أساس الحكم الديمقراطي والوسيلة المثلى لتقويم مستوى أداء الحكومة بالشكل الصحيح، وهو الوسيلة التي ليس لها بديل يأتي مكانها ويقوم مقامها (1)

وبما أننا مسلمون فإننا نجد مفهوم الشورى- وهي عرض أمر من الأمور على الأمة أو من ينوب عنها من ممثلي الأمة أو المجتهدين أو أصحاب الخبرة والتخصص لإبداء الرأي فيه للاسترشاد به في إطار الشريعة الإسلامية (2)- أقرب إلينا من مفهوم الديمقراطية وما يحيط بها من أسس للحكم الديمقراطي المأخوذ من الفكر الغربي.

لذلك قبل ظهور هذه المفاهيم حدثت في العصور المختلفة تغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية للشعوب والدول كالنظام الثيوقراطي قديما، ثم جاء النظام الملكي الذي يزيل الصبغة الإلهية عن الملك، كما في النظام السابق، ثم جاء الإسلام وأتى بنظام حديث في تلك الحقبة من الزمن، ارتقى كثيرا عن تلك الأنظمة السابقة، وهو الشورى، فجعل اختيار الملك الذي يحكم يأتي وفق اتفاق وإجماع الأمة، وهو يعتبر نقلة نوعية من عصور الظلم والجهل والاستعباد إلى نظام شوروي تشاوري يبني السياسة على الشورى في الحكم وتسيير شؤون البلاد وفق المشورة والشورى.

ومرت العصور وتطور الفكر مع تأخر الفكر السياسي العربي واضمحلاله وجاء النظام الجمهوري الذي يقوم على العدالة الاجتماعية، وحكم الشعب نفسه بنفسه والتداول السلمي للسلطة، واستخدام الديمقراطية كنهج ووسيلة لتنظيم التنافس على الحكم بطريقة شريفة وحرة ونزيهة، ويصعد إلى هرم السلطة من قبل به الشعب وتصبح له شرعية مكتسبة قانونية شعبية يقود بها المجتمع إلى بر الأمان.

ويبقى الإنسان حائرا، من ينتخب؟ من هو الرجل المناسب حتى يعطيه صوته في الانتخابات؟. وتظهر الإشكاليات المختلفة لدى الإنسان وتلعب التنشئة السياسية في المجتمع دورا كبيرا، ويبحث الكثير من علماء السياسية والإعلام ومراكز البحث العلمي ومراكز جمع المعلومات في التأثير على الناخب وقت التصويت لاختيار الرجل المناسب، ويسأل الإنسان نفسه ما هو الإساس الذي يختار عبره المرشح؟. ويلعب الدين والمصالح والحزب والخطاب السياسي والدعاية السياسية والإعلام والرأي العام والأصدقاء والأسرة دورا كبيرا في اختيار المرشح لعضوية مجلس النواب أو المجلس المحلي أو المحافظ أو الرئيس، فإذا ظهرت الأزمات وعم الفقر والجوع والقهر والحرمان الاجتماعي والمظاهرات السياسية بسبب ما ذكرنا سابقا، كما حدث في لحج والضالع والتمرد والعصيان والحرب، كما حدث في صعدة، فيرجع المرء إلى ضميره يحاسبه، ليته لم ينتخب فلانا أو فلانا، ليته لم يجامل على حساب وطنه ومعيشته وأسرته.

فإذا نظرنا للمسألة وهي قضية ذات أبعاد ودلالات، يحتاج الإنسان فيها إلى ضمير حي وإلى ثقافة ووعي سياسي ووطني عندما يأخذ القلم وتبدأ يده بكتابة اسم المترشح الذي سيحوز على رضاه وثقته، يحتاج الإنسان هنا إلى الموضوعية والصدق والأمانة.

فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم هي علاقة اتصالية تبدأ بالرضا وتنتهي بالولاء، فالرضا بمعنى تقبل تصرف معين، أي لايكون هنا سوى التأييد أو الرفض لسلوك الحاكم ثم ينتقل الإنسان إلى درجة أخرى هي المشاركة، أي التفاعل والتجاوب بالاهتمام والارتباط والشعور والتجاوب والتفاعل، لابغرض التأييد أو الرفض، بل يتعدى ذلك إلى درجة وديناميكية نشاط المواطن في المشاركة السياسية، ثم تأتي درجة أخرى هي علاقة الولاء، وهي امتداد لرابطة الإيمان وتعبير عن التعبئة الأيديولوجية، حيث تعتبر العصبية مبررا للحركة ومفسرة للمواقف بغض النظر عن تقييم جوهر التصرف، الولاء ليس علاقة بين المواطن والحاكم، إنما هو علاقة روحية بين المواطن والدولة، بغض النظر عن شخص الحاكم (3).

وما دمنا في عهد الديمقراطية وحرية التعبير فإن النهج الأمثل هو الإقناع وليس الإرهاب الفكري والمناورات، ولا أجد أفضل تعبير عن الحرية وحرية التعبير من عبارات (س.ج ميل) الذي يقول «لو أجمع البشر جميعا على رأي ماعدا واحد منهم، وكان هذا الفرد على رأي مخالف، فإن البشر غير معذورين من إسكات هذا الفرد، مثلما لايكون هو معذورا إذا أصبحت له سلطة وحاول إسكات البشر..».

إذا كان الرأي على صواب فإن البشر يحرمون من استبدال الخطأ بالصواب، أي الحقيقة، وإذا كان خطأ فسيخسرون ما هو عظيم مثله مثل الفائدة، الإدراك الحسي أو الفكرة النشيطة عن الحقيقة الناتجة عن اصطدامها بالخطأ (4)، ومثل هذه الحرية لاتوجد بصفة واقعية ومطلقة، لكن النظر والتفكر مفيد.

(1) د.صلاح الصاوي: التعددية السياسية في الدولة الإسلامية - دار الإعلام الدولي ص 8.

(2) د.صالح حسن سميع: أزمة الحرية السياسية في الوطن العربي - الزهراء للإعلام العربي ص 50.

(3) حامد الربيع: أبحاث ونظريات الاتصال وعملية التفاعل السلوكي - القاهرة - مكتبة القاهرة ص29.

(4) عبدالرحمن عزي/ بومعيزة سعيد: فضاء الاتصال - ديوان المطبوعات الجامعية ص 116.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى